قصة فاتني قطار الحب الجزء الأول, هو من جملة مقالات الكاتبة المصرية أسماء خشبة الأدبية والعلمية والقصصية المنشورة على مجلة أنامل عربية الإليكترونية.
قصة فاتني قطار الحب |
قصة فاتني قطار الحب
"وبكده تنتهي محاضرة النهار ده، لو في أي أسئلة نناقشها مع بعض إن شاء الله المحاضرة الجاية.."
هكذا انتهيت من كلامي وتظاهرت بانشغالي بجمع الكتب والأوراق فوق المكتب لأتمكن من مراقبتها في صمت. خرج الشباب والفتيات وكأن باب السجن قد فتح للتو، أيعقل أن أكون قاسياً وثقيل الظل إلى هذا الحد!
غاب اليوم طلعت الذي يتملقني وأنا أعرف أنه يتملقني وما الضرر إذاً، فجميعنا لا بد أن نظهر الطاعة والخضوع وإن كان على مضض منا ولكن لا بأس فلنفعل مثلما يفعل الجميع فما جنى الثائرون سوى النبذ والحضيض.
تظاهرت بجمع أقلامي الملونة أما هي فانشغلت بتدوين شيء ما على عجل.
قصة فاتني قطار الحب والمحاولة العبثية
قلت لنفسي هذه هي الفرصة المناسبة لأتحدث إليها؛ فاليوم طلعت غائب وأستطيع بسهولة أن استوقفها وأسألها، ما الضرر في سؤالها فأنا أستاذها ويحق لي أن أسألها، قد تكون سطحية تافهة كأغلب الطالبات فيرتاح عقلي الذي يصورها أمامي طيلة الفترة الماضية.
قلت لها: "هي المحاضرة الجاية إمتى؟"
ما أسخف هذا السؤال لو دخلت مسابقة للأسئلة السخيفة لحصلت على المركز الأول بلا منازع.
كيف لي أن أنطق بهذه التفاهة وأنا المخضرم الذي يبكي الجميع خوفاً من أسئلته في الامتحانات الشفوية.
اقرأ ايضا قصة ذات يوم كنا أنا و أنت
لا بأس إذن بسؤال آخر لأن نظرة عينها أوعزت لي أني مصاب بالزهيمر ..
لا هي لم تتوقع منك فقط أن تحدثها هكذا نهرني عقلي ودفعني لأسترسل معها وأسألها عن اسمها فأجابت على كلا السؤالين معا: "حضرتك عندنا بعد بكرة واسمي ولاء علي"
أعرف اسمك يا ولاء فأنا أسجل الغياب والحضور لأنطق اسمك كل يوم واتابعك وأنت ترفعين يدك الصغيرة..
وتقولي:"موجودة"..
قصة فاتني قطار الحب وسرقة الوقت الدافئ
كنت حريصاََ على إطالة الحديث معها فبادرت مرة أخرى بسؤالها: "هو أنت جديدة في الكلية؟"
فردت نافية، وأنا أراها منذ عامان وأعرف أنها ليست بمحولة ولكن ما ذنبي وقد فرغت كل الأسئلة من جعبتي عجباً!
رجل في الخامسة والأربعين ولا يعرف كيف يدير حواراً مع امرأة .
لا داعي إذا لبقاءها فلن أزيد الطين إلا بلّة، لم أستطع الإبتسام ولكني مددت شفتاي كأني لا أكترث وألقيت عليها التحية وأنا أظهر اهتمامي بحقيبتي ثم غادرت.
في طريقي لمنزلي جالت العديد من الخواطر في ذهني ،لم استيقظ قلبي الآن بعد كل هذه السنوات ما أعتدت أن أنجذب لأحد لقد جعلت زواجي مبنياً على العقل ولم أسمح لقلبي أن يتدخل في طريقي أو يملي علي ما يريد، فلم الآن يعلن عصيانه وتمرده ويتعلق بفتاة تقارب من عمر أولادي.
أوشكت على الوصول إلى مكان منزلي عندما لمحني رجل الأمن هب للوقوف وتحيتي كالمعتاد.
لو كنت أصغيت لقلبي لكنت الآن مثله تماماََ بالكاد أحصل على قوت يومي حمداً لله على نعمة العقل فبسببها أصبحت أنا الدكتور حسام أستاذ العلوم الفلسفية ولي من الكتب والمؤلفات في كل مكتبة جامعية.
الارتطام بالواقع |
قصة فاتني قطار الحب والارتطام بالواقع
وصلت منزلي وتأملت زوجتي لأول مرة امرأة في الأربعين من عمرها لا تكترث سوى للمظاهر الاجتماعية لأبعد حد فهذا علي ابني الأكبر أرسلته للدراسة في أمريكا أما سلمى صغيرتي فتدرس في إحدى المدارس الفرنسية العريقة.
زوجتي حرصت منذ ارتباطها بي على تقديمي للمجتمع الراقي الذي تنتسب إليه ونجحت في إبعادي تماما عن المجتمع الريفي الذي نشأت فيه فلم يعد يربطني بمنزل والداي سوى الزيارات الخاطفة وإرسال بعض الهدايا بشكل متقطع.
حتى أنني نسيت مفردات حياتي السابقة وخيراً فعلت فلا أريد أي شيء يذكرني بتلك الأيام القاسية التي عانيت فيها وأخوتي من الفقر وقلة ذات اليد .
أما الآن فقد نسيت كل هذا بمصاهرتي لأستاذي في القسم، وخيراََ فعلت فما أقسى البدايات وتحضير درجة الماجستير وإتمام الأبحاث إن لم يكن هناك من يهتم بك.
لا أعرف لماذا استدعيت ولاء مرة أخرى من ذاكرتي فأنا مقتنع تماما بما قمت به ولو عاد الزمان لسلكت ذات الطريق مرة أخرى، ربما لا من يدري ربما بحثت عن السعادة وبحثت عن فتاة في قريتي وبادلتها الحب والاهتمام .
قصة فاتني قطار الحب وتحري المشاعر
من حسن حظي أني طلبت من الطلبة تدوين أرقام هواتفهم وها هو رقم ولاء، لم لا أتصل بها لأي سبب.
لا هذه أسخف فكرة طرحها عقلي، تراجعت عن فكرة الإتصال وشغلت نفسي بمتابعة مقالي الأسبوعي في أحد المجلات العلمية ولكن كان عقلي يلح علي في كل وقت كي أستدعي صورتها.
لم أنتبه حتى لمفردات المقال الذي أكتبه ولا بأس فمن يقرأ هذه الأيام الصحف، لقد أصبحت الصحف الورقية عبئا على متابعيها.
فتحت باب غرفة المكتب لأجد الخادمة الأجنبية ذات اللهجة الركيكة، التي أصرت زوجتي على إستخدامها رغبة في التباهي.
أمقت تلك الخادم فأنا بالكاد أفهم ما تقول ولكن لا بأس فهي على أقل تقدير لن تقوم بإذاعة تفاصيل حياتنا للأغراب .
تفوهت ببضع كلمات وفهمت أنها تسألني عن إن كنت أريد الغداء فقلت لها: "اتصل يا سولينا بولاء؟
فأجابت: ما أفهم.
فقلت لها: "أحسن ".
تفحصت المنزل وكأني قد استأجرته للتو، كيف لم أهتم لكل تلك التفاصيل البسيطة فهذه الأريكة تبدو متناسقة الألوان مع ما عليها من وسائد صغيرة.
ما هذا العبث الذي أتفوه به وهل من المعقول أن يتغير الإنسان بين عشية وضحاها، لقد كنت فظاََ غليظاً مع كل شيء أم أنه نقص الحب الذي لم أسعى لوجوده في حياتي؟
لم أصبحت أرى الأشياء بصورة أوضح أهو الحب الذي يضفي السكينة على القلوب و التشتت للعقول؟
أصبحت أتعامل برقة ملحوظة مع زملائي والطلبة ولو سألوني لقلت لهم إنها الفتاة الصغيرة التي تجلس في زاوية القاعة، هي وحدها من جعلت من حياتي جنة ونعيماً.
لم يسألني أحد؛ ربما لأنهم فرحوا بي بثوبي الجديد بلا عصبية وإستعلاء، علهم خافوا أن أعود لحسام القديم ذا الرؤية المتحجرة المتسلطة التي تفرض رأيها على الجميع.
مرت الساعات ثقيلة ولم يكن يهون على ثقلها سوى أني سأرى ولاء.
قصة فاتني قطار الحب واليوم الموعود
في اليوم الموعود قفزت كطفلٍ صغير يوم العيد ارتديت أجمل ملابسي، فما هي إلا دقائق وأكون قد وصلت للجامعة.
تمنيت لو اختفت السيارات ولم يبق سواي في الطريق كنت أبتسم بلا سبب، ما أجمل الحب حقاً.
عندما نزلت من السيارة لم أكن سائرا بل محلقا في ردهة الجامعة تمنيت لو كنت أحمل باقات من الورد لأقدمها لطلابي ومن ضمنهم ولاء.
اقرأ أيضًا :"قصة من هنا بدأت الحكاية قصص قصيرة جزء ٢".
دخلت إلى باب القاعة أو بالأحرى إلى باب الجنة لأراها في مكانها المعهود، هي أول ما وقعت عليه عيناي، ليتها تدرك أني كنت أبحث عنها بالأمس بين كل الوجوه ليتها تدرك أني لم أحسب الأمس من حياتي لأني لم أرها ولم أنظر إلى وجهها الصغير، ليتها تعلم أنها أجمل فتاة رأتها عيناي منذ جئت إلى الدنيا.
أخذت أشرح كالعادة عن أرسطو وتبا لك يا أرسطو ،لماذا لم تجعل نظرياتك عن الحب أيها الأحمق فمن يأب لكلامك المعقد في جيل الشباب..
يتبع..
دمتم بكل ود..
روعة جميلة جدا أنتظر التكملة.. ♥️
ردحذف👍👍
ردحذف