العصر العباسي فن الضيافة وتنظيم المائدة بين الفخامة والذوق الرفيع
كان العصر العباسي (750-1258 م) فترة ازدهار حضاري انعكس على جميع جوانب الحياة، بما في ذلك المطبخ العباسي، الذي شهد تنوعاً غير مسبوق بفعل الانفتاح على ثقافات الفرس والهنود والروم، مما أدى إلى تطور أساليب الطهي وظهور أكلات جديدة.
ملامح المطبخ العباسي
تنوع المكونات: تأثر المطبخ بالمطابخ الفارسية والهندية، فدخلت إليه التوابل مثل الزعفران والقرنفل والقرفة.
طرق طهي متقدمة: استخدمت تقنيات جديدة مثل الشواء بالأسياخ، والطهي على البخار، والطهي ببطء باستخدام المرق.
تنظيم الولائم: أصبحت موائد الخلفاء والوجهاء غنية بالأطعمة المتنوعة، مع تقديم المشروبات المحلاة والمقبلات قبل الوجبات.
العصر العباسي والأكلات المستجدة فيه وطريقة تحضيرها
1. الثريد المحسَّن
الثريد كان من أشهر الأطباق في العصر الجاهلي، لكن العباسيين طوروه بإضافة التوابل واللحم المفروم والمكسرات.
طريقة التحضير قديماً:
يتم تقطيع الخبز إلى قطع صغيرة في طبق عميق.
يضاف فوقه مرق اللحم المطبوخ مع البصل والبهارات مثل الكمون والقرفة.
يزين بالمكسرات المحمصة مثل اللوز والفستق.
2. المضيرة
طبق فارسي الأصل دخل إلى المطبخ العباسي، يتكون من اللحم المطبوخ باللبن الحامض.
طريقة التحضير قديماً:
يتم سلق اللحم مع البصل والملح حتى ينضج.
يضاف إليه اللبن الحامض ويترك حتى يكتسب النكهة.
يقدم مع الأرز أو الخبز.
3. الفالوذج
من أشهر الحلويات العباسية، وكان يُعدّ من الأطعمة الفاخرة التي تُقدم للخلفاء.
طريقة التحضير قديماً:
يتم خلط النشاء مع العسل والماء وطهيه على نار هادئة.
يضاف إليه اللوز المطحون أو الفستق.
يقدم بارداً بعد تزيينه بالزعفران.
4. الزمزمية
حساء لذيذ كان يُحضر بكثرة في القصور العباسية، مصنوع من الدجاج، الحمص، واللوز.
طريقة التحضير قديماً:
يتم غلي الدجاج مع الحمص والتوابل.
يضاف اللوز المطحون ليعطي قواماً كثيفاً.
يقدم ساخناً مع الخبز.
![]() |
المطبخ العباسي |
العصر العباسي وتأثير المطبخ العباسي على المطابخ الأخرى
أثر المطبخ العباسي في المطبخ الأندلسي، الفارسي، والتركي، حيث انتقلت الأكلات الجديدة إلى بلدان أخرى وظلت بعض الأطباق مثل الفالوذج مشهورة حتى اليوم.
شكل المطبخ في العصر العباسي وأدوات الطهي المستخدمة
في العصر العباسي، كان المطبخ أكثر تنظيماً وتطوراً مقارنة بالعصور السابقة، حيث تأثر بالمطابخ الفارسية والرومية والهندية، مما ساهم في تحسين تقنيات الطهي وزيادة تنوع الأطباق.
شكل المطابخ داخل القصور
كانت كبيرة ومقسمة إلى عدة أقسام، مثل أماكن مخصصة للخبازين، والطهاة، وصناع الحلويات.
استخدمت المواقد الحجرية التي تعمل بالحطب أو الفحم، حيث يتم الطهي مباشرة على النار أو باستخدام الأفران الطينية.
كانت هناك مساحات مخصصة لتخزين الحبوب والتوابل، نظراً لأهميتها الكبيرة في الطهي.
المطابخ الشعبية:
كانت أصغر حجماً، وغالباً ما تكون جزءاً من البيوت الطينية أو الحجرية.
استخدمت المواقد الطينية والأفران الصغيرة المصنوعة من الطين أو الطوب.
كانت أواني الطهي تُحفظ في رفوف خشبية أو تعلق على الجدران.
فاقرأ ايضا مقال فوائد الصوم الصحية ومعجزة الصوم
العصر العباسي والقدور والأواني في تلك الأثناء
قدور الطهي
القدور النحاسية: كانت الأكثر شيوعاً، وتُطلى بالقصدير من الداخل حتى لا تتفاعل مع الطعام.
القدور الفخارية: كانت تُستخدم للطهي البطيء، حيث يحتفظ الفخار بالحرارة لفترات طويلة، مما يساعد على نضج الطعام جيداً.
القدور الحديدية: كانت قليلة الاستخدام مقارنة بالفخار والنحاس، لكنها استخدمت لطهي اللحوم.
أدوات وأواني الطعام
الصواني النحاسية والفضية: كانت تُستخدم في تقديم الطعام، خاصة في القصور.
الطاسات الفخارية: استخدمت في تقديم الشوربات والمأكولات السائلة.
الملاعق الخشبية: كانت تُستخدم في التحريك، بينما لم تكن الشوك شائعة في ذلك الوقت.
السكاكين الحديدية: استُخدمت لتقطيع اللحوم والخضروات، وكانت حادة ومزخرفة أحياناً.
أدوات الخَبز
أفران الطين: كانت تُستخدم في صنع الخبز بأنواعه المختلفة.
ألواح العجن الخشبية: كانت تُستخدم لتحضير العجين قبل إدخاله إلى الأفران.
ملاعق الطين أو الخشب: لتوزيع العجين وتسويته داخل الفرن.
أدوات تقديم المشروبات
الكؤوس الزجاجية: استخدمت لشرب الماء والعصائر.
الجرار الفخارية: كانت تحفظ فيها المياه والمشروبات الباردة، حيث تساعد طبيعة الفخار على تبريد السوائل.
إبريق النحاس أو الفخار: لحفظ العصائر والمشروبات المحلاة بالعسل.
![]() |
الحلويات في العصر العباسي |
تطور أدوات المطبخ في العصر العباسي
بسبب ازدهار الفنون والصناعات، شهد العصر العباسي تحسناً كبيراً في تصميم الأواني والقدور، حيث تم نقشها وتزيينها بزخارف إسلامية جميلة، وأصبحت بعض الأواني المصنوعة من النحاس مزخرفة بالفضة والذهب في قصور الخلفاء.
كان المطبخ العباسي مثالاً على الرقي والازدهار الحضاري، فقد استخدم أدوات متطورة نسبياً في ذلك العصر، كما انتشرت أواني الطهي الفاخرة بين الأثرياء، بينما اعتمد عامة الناس على الأدوات الفخارية والطينية. لا تزال بعض هذه الأدوات تستخدم اليوم في بعض المناطق التقليدية، مما يعكس استمرار تأثير ذلك العصر على مطابخنا الحديثة.
فن ترتيب المائدة في العصر العباسي
تميز العصر العباسي بالرقي في جميع جوانب الحياة، بما في ذلك فن تنظيم الموائد، حيث أصبحت الولائم جزءاً أساسياً من الحياة الاجتماعية والسياسية، خاصة في قصور الخلفاء والأمراء. تأثر العباسيون بالمطبخ الفارسي والرومي، ما أدى إلى تطور أساليب تقديم الطعام وتنظيمه.
ملامح مائدة الطعام في العصر العباسي
حجم المائدة ومكوناتها
كان يتم استخدام موائد كبيرة في القصور، مصنوعة من الخشب أو الرخام، وكانت مغطاة بأقمشة مزخرفة.
في البيوت العادية، كانت المائدة أقل فخامة، وغالباً ما تكون على شكل سُفرة أرضية من الجلد أو القماش، تُمدّ في أوقات الطعام ثم تُرفع بعد الانتهاء.
![]() |
تنظيم المائدة |
تنظيم الأطباق
يتم ترتيب الطعام بطريقة متناسقة، حيث توضع المقبلات أولًا، مثل الخبز، الزيتون، والمكسرات.
يليها تقديم الأطباق الرئيسية مثل الثريد، المشويات، والأرز باللحم.
يتم تخصيص أطباق منفصلة للحلويات، مثل الفالوذج والقطائف.
توضع التمور والفواكه في أوانٍ فخارية أو زجاجية مزخرفة.
الأواني المستخدمة
استخدمت الأطباق النحاسية المطلية بالقصدير لحفظ الطعام ساخناً.
كانت الأكواب الزجاجية والمعدنية تُستخدم للمشروبات، مثل الماء المعطر بالورد والعصائر الطبيعية.
استخدمت الملاعق الخشبية للأطعمة السائلة، بينما كان تناول اللحم يتم باليد أو باستخدام سكاكين حادة.
آداب تناول الطعام
كان تناول الطعام يتم غالباً باليد اليمنى، وفقاَ للعادات الإسلامية.
يتم الغسل قبل وبعد الطعام باستخدام ماء الورد أو المسك في القصور الراقية.
كان الضيوف يجلسون بحسب المكانة الاجتماعية، حيث يكون الخليفة أو صاحب البيت في صدر المائدة، يليهم الوجهاء ثم عامة الناس.
كانت هناك عادة تقديم الطعام أولًا لكبار الضيوف، يليهم البقية.
![]() |
الموائد |
تنوع الموائد في المناسبات في العصر العباسي
الولائم الرسمية: كانت تتميز بالترف، مع تقديم أصناف متنوعة مثل المضيرة، الدجاج المحشو، والسمك المشوي.
الموائد الرمضانية: تضمنت أطعمة خفيفة عند الإفطار مثل التمر واللبن، تليها أطباق دسمة كالثريد.
الولائم الشعبية: كانت أبسط، تعتمد على الخبز، العدس، وبعض أنواع اللحوم أو الدجاج.
كان فن ترتيب المائدة في العصر العباسي يعكس الرقي والتنظيم، حيث كان يُعنى بالتفاصيل الدقيقة، سواء في ترتيب الأطعمة أو استخدام الأواني الفاخرة. كما شكلت المائدة جزءاً مهماً من الحياة الاجتماعية، وكانت الولائم تعبر عن الكرم والبذخ، خاصة في القصور.
كان المطبخ العباسي شاهداً على التطور الحضاري، حيث ابتكر طهاة القصور وصفات جديدة، وطوّروا الأطعمة التقليدية. وما زالت بعض هذه الأطباق جزءاً من مطبخنا العربي المعاصر، وإن كانت بطرق إعداد أكثر حداثة.