قصة اتلم المتعوس على خايب الرجاء قصص قصيرة - أنامل عربية

أرواحنا تبحث عمن يشبهها ويشاطرها النجاح أو البؤس والشقاء، حتى وإن اختلف الوضع الاقتصادي، وتباينت المسميات الوظيفية، ستجد أنك تقترب بشكل عفوي ممن يشبه روحك.

امرأة جميلة
سهى


قصة اتلم المتعوس على خايب الرجاء

عبثا حاولت جاهدة أن اغمض عيناي، بعد يوم شاق قضيته في تفريغ محتويات المطبخ والبحث تحت الأسِرة، علني أجد هذا الفأر المزعج الذي تسلل خلسة من شباك المطبخ ومنه إلى باقي الشقة، ثم ببجاحة ووقاحة أصبح ضيفي الليلي الثقيل الدائم.

أسهر عادة لأكتب القصص القصيرة والمقالات ليلا، فأنا لا أطيق ضوضاء النهار وصراخ أولاد الجيران.

أصبحت أرى سبع الليل هذا يتجول في الردهة وكأنه لا يكترث لوجودي، أيعقل أن ضاعت هيبة الماضي ولم يعد هناك خوف للفأر من شباشب البشر!

 ولم لا وسبع الليل لا يراني إلا منكفأة على جهازي اللوحي في بلاهة أبحث عن صورة هنا أو خبر حصري هناك، لقد أيقن سبع الليل من تفاهتي وقلة حيلتي، ليس هذا فحسب بل أدرك إفلاسي لدرجة أنه اتخذ من مطبخي مسكنا أما طعامه فيحصل عليه من مطعم الفلافل القابع أسفل العقار.

لست أكولة بطبعي أو بمعنى أدق صرت أمقت الوجبات الدسمة وأصبحت اكتفي ببعض وحدات البسكويت المالح أو ساندوتشات الحلاوة والجبن.

لا أعلم ما الذي دهاني بالأمس فلقد أغلقت جهازي اللوحي وأخذت أتطلع إلى سقف الحجرة، وكأنني أراه لأول مرة ومع أني كنت منهكة تماما، إلا أن النوم لم يفكر في زيارتي سوى عند الرابعة فجرا.

قصة اتلم المتعوس واتصال مفاجئ من خادمة النجمة نونة

استيقظت على زنين الهاتف وصوت  امرأة فلبينية ولم أتبين معظم كلامها، عبثا طلبت منها أن تعيده مرات ومرات وعندما يأست من فهمها طلبت منها أن تتحدث الإنجليزية، فأدركت أنها تدعي كيميكاهاي وتعمل لدى نونة و تطلب مني سرعة الحضور لمقابلة الفنانة نونة.

نونة فنانة مشهورة جدا ومؤخرا أصبحت أتولى إدارة حساباتها على منصات التواصل الاجتماعي، حصلت على هذا العمل عن طريق صديقتي"مايا"، و التي تدير مدونة وموقعا إخباريا.

عملت مع مايا لفترة طويلة كنت أكتب لمدوناتها الخواطر والأشعار، مايا رقيقة للغاية وتحب تقديم المساعدة ولا تبخل بالنصح وتتسم بسعة الصدر وتقبل الجميع، هي نادرة مثل الجواهر الثمينة، نادرا ما يجود الزمان بمثلها.

رشحتني مايا لنونة وتعاونت معها طيلة الثلاثة أشهر الماضية، لم نتحدث مطلقا بشكل مباشر عادة ما تراسلني نونة عبر أحد التطبيقات وتطلب مني أن أضع مقطعا عميقا مرة و مضحكا مرات أخرى.

في بداية الأمر كنت سعيدة للغاية، من التفاعلات الكثيرة على كلماتي، ثم أدركت فيما بعد أن تلك التفاعلات إنما جاءت لأنها منشورة في حساب نونة ليس إلا، أما في الواقع لو نشرتها على حسابي فلن أجد تفاعلا سوى من مدام سعاد التي تسكن في الدور العاشر، فهي مطلقة و وحيدة مثلي وأراها بين الفينة والأخرى في المصعد ونتجاذب أطراف الحديث.

قصة اتلم المتعوس وسخافة أسئلة حارس المنطقة

طلبت من الخادمة أن ترسل لي موقع فيلا النجمة وشددت عليها أن تبلِّغ الأمن الخاص بالكمبوند بحضوري، حتى لا اضطر لدخول تحقيق عن هويتي، وسنة حصولي على الابتدائية ثم الإعدادية والهدف من الزيارة ومدتها وما إلى ذلك من الأسئلة السخيفة، التي يتشدق بها أفراد الأمن

 الخاص عندما يلاحظوا أن الطالب لدخول الكمبوند جاء عن طريق سيارة الأجرة، وهذا مؤشر حتمي بأنه ينتمي إما إلى فئة الخدم أو من الطبقات الكادحة، وهي فرصة سانحة ليعوضوا التجاهل والتعالي الذي يتجرعونه من سكان الكمبوند الفاخر، فلن يجد الفقير ضالته وتنفيس غضبه سوى في فقير مثله.

دخلت إلى غرفة نومي لأنتقي شيئا يليق بوجاهة المكان، أخذت أكرر الكلمات التي سأقدم بها نفسي، وبحثت عبر الإنترنت على الأعمال الفنية التي قامت بها النجمة مؤخرا، حتى أكون على إطلاع على ابداعاتها.

لمحة عن تاريخ الفنانة نونة

نونة إمرأة أربعينة، إلا أنها مازالت تؤدي أدوار الفتاة الشابة التي تأسر القلوب، ولم لا وأمثالها لديهن من أطباء متخصصين في التجميل، الذين في استطاعتهم تحويل أبو الهول إلى صورة أحمد عز.

لم توضح "كميكاهاي" سبب استدعاء نونة لي، لهذا تضاربت الأفكار في رأسي، لكني استبعدت خيار الطرد، لأنها  يمكنها الاستغناء عن خدماتي برسالة نصية قصيرة، أو حتى عن طريق إبلاغ" مايا "أنها لم تعد في حاجة إلى خدماتي، وهو ما أكسبني بعض الثقة ولهذا اخترت المعطف الأحمر الذي سوَّقه موقع الملابس الشهير على أنه يضيف أنوثة وجمالا على مظهر المرأة.

لم أر أي أنوثة أمامي في المرآة، جل ما رأيته هو أنني لو أضفت أنفا مستديرا أحمر لجرى خلفي الأطفال في الشارع وطالبوني بتأدية ألعاب الخفة، ولكن هل سأرميه دفعت فيه 500 جنيه كاملة، لابد من أن أقنع نفسي بالأنوثة الطاغية التي أضافها لي.

سهى في فيلا نونة

صورة زيتية مرسومة لامرأة
نونة 

طلبت سيارة الأجرة عبر أحد التطبيقات، وأعلمت السائق بوجهتي، وخيرا فعلت كميكاهاي عندما أبلغت أمن البوابة عن حضوري.

رمقني السائق بنظرة متعجبة إذ أن مظهري لا ينتمي إلى تلك المنطقة، وشعرت بأنه يود لو يسألني عن سبب دخولي لهذا المكان، غير أني تجاهلت كل هذا وشغلت نفسي بكتابة بعض الكلمات التي سأعرضها على نونة في حال طلبت مني أن أقدم لها بعض المقاطع.

دخلت إلى حديقة الفيلا الفاخرة و لكم رغبت في التقاط الصور، لكن خفت أن تعتقد نونة أني أصور الحديقة بهدف الشهرة، لهذا كبت الفكرة الغبية ودخلت إلى ردهة الاستقبال الواسعة،  تلك هي المرة الأولى التي سأرى فيها نونة وتلك "الكيمكاهاي" التي حدثتني صباحا.

صعدت معها للدور الثاني للفيلا، ودخلت إلى غرفة نونة التي كانت ما زالت في فراشها وعندما لاحظت دخولي نظرت نحوي بعصبية وقالت: هل أنتِ مجنونة يا امرأة،  أَنَّى لكِ أن تكتبي مقطعا ساخرا بالأمس، ألا تدركين أن شاكر و سالي قد أعلنا انفصالهما بشكل علني، ثم استطردت قد تظن سالي أني اتعمد فعل هذا، ثم قهقهت بشكل

 هستيري وأردفت:  ومع أن ما فعلتيه غير مقصود منكِ إلا أنني فرحت في أعماقي، لما حدث مع تلك المتصنعة التي أقامت زفافا متصنعا مثلها وأرهقتنا ليل نهار بصور حبها المزيف.

نهضتْ من فراشها وامسكت بعلبه السجائر واشعلت الواحدة تلو الأخرى وأخذت تتأمل ملامحي سألتني عن عمري وعندما علمت أنني مطلقة في الثلاثين من العمر،  تنهدت وقالت بلا تردد: لهذا السبب رشحتك مايا؟

أجبتها: لا لست ضحية طلاق، لقد فررت من قلعة الزواج برغبتي الكاملة.

بادرتني بسؤال: ما رأيك في أدواري،  وهل أعجبك فيلمي الأخير مع أحمد نظمي؟

أجبت: كل أدوارك جميلة، لكنك بحاجة للخروج من نمط الفتاة التقليدية.

فكرت قليلا وقالت: وحدهم مخرجو الأفلام يضعونني في هذا القالب النمطي، لو كان الأمر بيدي لاخترت أفلام الرعب أو الخيال العلمي، ولكن كما تعلمين فنحن لا نملك الميزانية الكافية لعمل هذه النوعية بإتقان مثل هوليود.

ساد الصمت في الغرفة ولم تر مني تلك المنافقة التي تمطرها بوابل من التمجيد والثناء على رقتها، صدقا حاولت تعنيف نفسي وحثها على إلقاء كلمتين ولو من باب جبر الخاطر، غير أنها أبت، تلك هي غيرة النساء فأنا لا أرى نونة غير فتاة محظوظة، وحده الحظ جلب لها الشهرة والمال، 

تذكرت أول مسلسل لها كم كانت خجولة ولا تتقن الاندماج في الشخصية، كنت وقتها في المرحلة الإعدادية،  لفتت انتباهي عندما علمت أنها ابنة فنانة معتزلة.

قطعت نونة جو الصمت بتعليق ساخر على الأخبار التي اندفعت إلى جوالها، حول طلاق سالي.

بعدها طلبت مني أن أجلس ريثما تبدل ملابسها، جلست أتأمل أثاث الغرفة التي تراكم فيها دخان السجائر، ونهضت لأفتح الشباك.

اقرأ ايضا قصة كدي يا أم عباس وأصنع لك قبر نحاس. 

قصة اتلم المتعوس وأمنيات نونة

عادت بعد ربع الساعة لم تختلف كثيرا عن صورتها في السينما غير أنها بدت شاحبة بدون ماكياج كما أن شعرها لم يكن في أحسن حالاته.

أخذت تتحدث عن جو العمل لم تذكر زميلاتها بسوء، ثم اغرورقت عيناها بالدموع وقالت لقد هجرني كريم منذ أسبوع كامل، لم يفكر هذا الوغد في الاتصال بي ولا حتى معرفة أحوالي.

لكم تمنيت أن تنتهي تلك القصة بالزواج ولو بشكل صوري، سئمت من المقالات التي تضعني ضمن قائمة الفنانات العوانس، ثم ضحكت بسخرية ممزوجة بألم وبدت على وجهها حسرة ، وقالت: أحسد الطاهية أحيانا على حياتها المستقرة.

قلت لها: ألا تكفي الشهرة والمال؟

فأجابت: هي شهرة مؤقتة، ينغصها التقدم في السن والصراعات الخفية بين الممثلات من أجل تصدر المشهد والحصول على الأدوار، إنها غابة بمفهوم عصري، لكن قانونها باق، ألا وهو البقاء للأقوى والأجمل، انظري إلى تلك الطاولة وتلك المسكنات التي أتناولها بطريقة هستيرية عقب عملية تصغير الأنف التي خضعت لها مؤخرا، لم

 يحتمل كريم عصبيتي ولم يقدر ضعفي وفر إلى الأبد من أول اختبار انطلق الأبله مثل الحمر مستنفرة التي تفرت من قسورة، لم يشأ أن يظل مع نونة الضعيفة، لايريد سوى نونة التي تشاطره تعاطي المخدرات وتلهو وتضحك.

لم أجد ما أقوله لها سوى: لو كان خيرا لبقى.

فقهقهت مرة أخرى وقالت: لو كان مشلولا لمشى من عصبيتي يا... ثم سألتني عن اسمي فأجبتها "سُهى".

استطردت: حياتي أشبه ببالون كبير، ولم أعد أنمق الحديث بل باتت الصراحة عنواني.

فقلت: هذه مميزات سن الأربعين، الصراحة والميل للعزلة.

فقالت: سن الأربعين مالك يا بائسة، ما المخجل في الأربعين لو عمرتْ للثمانين أكون الآن قد قضيت فقط نصف عمري، علمتني الشهرة أن استمتع بكل دقيقة من حياتي، لا أنكر أني أخاف التقدم في السن وأن أتحول لتلك الشمطاء التي لا تجيد سوى النقد، لكن للأربعين بهجته التي

 ستدركينها لاحقا،  بنت ناضجة أفهم وأعي لم أعد ساذجة كالسابق، ثم أنني عادة ما أكذب وأقول أنا في الثلاثين وأخصم دائما عشر سنوات كاملة ولو لم يكن الأمر فجا لقدمت نفسي في العشرين فأنا أحس أن روحي لم تغادر فترة الصبا، لكن لكم أود أن ألتصق بروحي وأعود مرة أخرى إلى الوراء.

فسألتها: هل كنت لتغَّيري مسار حياتك وتصبحين من العامة وتبتعدي عن السينما؟

فأجابت : بالطبع لا، ولكن لربما تزوجت بشكل علني بدلا من الزيجات العرفية السخيفة التي يفر الرجل منها وقتما يشاء وبدون أي تبعات أو قيود ولربما أنجبت طفلا أو اثنين أو ابتعدت عن أشخاص بعينهم وتجنبت بعض الصداقات المؤذية التي سحقت قلبي.

فسألتها: جميل أن نعود بالوراء لنتجنب الأذية والمنافقين لكن الحياة عبر ودروس لولا القبيح ما علمنا الحسن، لفت انتباهي شغفك للأطفال ، هل تعتقدين أن انجاب طفل يجلب لك السعادة؟

فأجابت: حقيقة لا أدري ولكن كل إنسان يتخيل سعادته فيما ينقصه، سهى طريقتك تذكرني بطبيبتي النفسية، أشعر أنك تستجوبيني وأنا مازلت أجهل الكثير عنكِ.

صراحة مع النفس وفضفضة عميقة

نظرت من نافذة الغرفة و تنهدت وكأنها تخلصت من الهموم بعد تلك الفضفصة واعتدلت في جلستها وطلبت مني أن أقص عليها حكايتي وكأنها تريد أن ترى الجانب الخفي عني، مددت شفتاي وأخبرتها أنني انتمي إلى الطبقة تحت المتوسطة، وباءت جهود والدي بالفشل في محاولة إخراجنا منها ولحقا إلى جوار الله وهما يحاولان ذلك.

 سافر أخي حسام بعد زواجه مدفوعا بضغط من زوجته إلى كندا واستقر هناك، حبذت أمي سفر أخي وكذلك أبي، لكني كنت أتوق إلى حديثه ومناقشاته واعتراضه الدائم، لقد فقدت بهجة الحياة بابتعاد حسام.

قالت: حدثيني عن طلاقك وحياتك الزوجية كيف كانت، وهنا انفجرت مني قهقهة فاجأتها فتحمست وقالت: احكي أيتها البائسة عن فارس أحلامك.

فقلت لها : لم يكن فارس أحلامي، لقد كان انتقام الرب على كل قطع الحلوى التي كنت أسرقها من أخي حسام ،  إنه بمثابة الحفرة العميقة التي تقعين فيها على حين غرة، لقد كان زواجي مأساة ومع أني جاهدت للتخلص منه بالطلاق

 إلا أنني أعترف بمرارة الأيام التي تعقب الطلاق، هي أشبه بدوامة صراع بين الندم على الزواج والضياع لعدم معرفة الخطوات القادمة ويا حبذا لو كانت المطلقة من النوعية التي تضع اعتبارا لكلام الناس، مريرة حقا تلك الفترة ولم يكن أَمَر منها سوى العيش تحت سقف واحد مع هذا الأكول الشره الذي جعلني أكره رؤية الطعام.

حنين إلى لقاء الأخ الغائب

فضحكت وسألتني: وما الذي دفعك لهذه الزيجة البائسة يا امرأة؟

فأجبتها بلا خجل:  دائما ما أخطئ في حق نفسي مدفوعة بالخوف من كلام الناس وتقاليد المجتمع الشرقي، ثم أكتشف أنني قد جنيت على نفسي إلى أقصى حد.

منذ سبع سنوات ارتضيت الزواج به تحت ضغط من عمتي، التي اعتبرته الخيار المناسب لي بعد وفاة والداي، بدلا من الجلوس بمفردي في شقة العائلة.

تزوج حسام كما قلت لك وسافر إلى كندا، ولم يحضر مراسم الجنازة الخاصة بأمي وقبلها أبي لم يعد يكترث للعودة.

 كان يتذكرني ويتصل في الأعياد والمناسبات مثل رمضان، مؤخرا لاحظت أنه بات يتذكرني فقط يوم عيد ميلادي.

عندما أخبرته عن العريس لم يبد أي اعتراض على الرغم من أني وضحت له بعضا من عيوبه التي كانت واضحة جلية، ولكن مع موافقته قررت أن أعيد النظر في تقييم عياش، مع أن وزنه الزائد كان لا يُنذر بالخير كذلك حديثه الدائم عن الوصفات ومزايا أنواع التوابل كانت كفيلة بجعلي أقرر إنهاء هذا المشروع قبل بدايته.

لكن لم أر أي بديل في الأفق ولا أخفيكِ سرا فقد بت أشعر بوحدة موحشة كلما جن الليل.

زوج أكول وحياة شاقة

بعد الزواج بدا عياش حقيرا لأقصى درجة مهملا وكسولا، ناهيك ِعن طموحه المحدود، عند عودته من عمله كمدرس للرسم في نفس المدرسة التي أعمل بها، كان يتناول طعام الغداء ثلاث مرات ثم يأخذ قيلولة تمتد لساعتين، بعدها يفيق ويهرع إلى المطبخ ويعد صينية كاملة من الساندوتشات كتصبيرة قبل طعام العشاء.

ضقت ذرعا من تصرفاته وبشاعته وردوده الفظة وغباءه الجلي، صدقا لا أعلم أي أحمق سمح لهذا العياش بدراسة الرسم، فهو يحتاج لنفس فنان تملؤها المشاعر والأحاسيس لا الصلصات والمقليات.

سألتني: هل شعرتي بأنه غير ملائم قبل الزواج ؟

فأجبتها: نعم كنت أعلم أن عياش سيئا منذ الوهلة الأولى،  فأنا أعرفه من المدرسة لهذا لم أر بدا من المرور بفترة خطوبة طويلة يملؤها التصنع، فضلا عن أن عياش لم يبذل أي مجهود في التصنع، لقد كان واضحا منذ البداية، ولكن ما باليد حيلة مجبر أخاك لا بطل.

قبلت الزواج به على مضض وكانت أسوء سبع سنوات عشتها في حياتي، الجانب المشرق هو أنني تعلمت أكثر من مائة وصفة وتعلمت كيفية صنع كميات مضاعفة لأسد جوع هذا المفجوع الذي يشبه المكنسة الكهربائية في سرعة بلعه للطعام.

أحمد الله أنني لم أرزق منه بأطفال، لا أتحمل فكرة أن يكون لدي صورة مصغرة من هذا الديناصور الآدمي، وقتها كنت سأحتاج لعشر ميزانيات لكي أسد رمق سلالة المفاجيع.

سهى تطلب الطلاق

صورة مرسومة لفتاة
سهى البائسة 

طالبته بالطلاق طوال الثلاثة سنوات الماضية بعد أن تحولت حياتي لمعاناة دائمة بين غسل الأطباق وتجهيز الطعام كانت تمتد منذ السادسة صباحا قبل ذهابي إلى

 المدرسة وتستمر حتى الحادية عشرة وبحلول ميعاد نومي كنت ارتمي مثل القتيل على الوسادة ولم أك أشعر بقدمي من شدة الألم، الذي كان ينتشر في عظامي مطالبنا بضرورة الخلاص، لم تفلح المسكنات في وقف سيمفونية الدمار التي لحقت بأظفاري وشعري وبشرتي وعظامي.

نصحتني الأستاذة مي معلمة العلوم أن أشتري غسالة أطباق بالتقسيط، وعندما طلبت من عياش غسالة أطباق هاج مثل ثور يرى ملاءة حمراء، وأخبرني أن اقتطاع 300 جنيه شهريا لتسديد القسط يعني أنه سيتخلى عن بعض المقبلات وهو أمر يرفضه بشدة.

حقيقة وقتها شعرت بأنه نذل حقير، فهو لا يفكر سوى بمعدته وراحته ولا يكترث البتة لوجودي، بل لا يراني سوى خادمة تطهو له وإن قصرت يوما واضطر للوقوف لطهي وجباته، كان يمطرني بوابل من التقريع وأحاديث طويلة كثيرة عن ضرورة طاعة الزوج لأدخل الجنة، أي جنة تلك التي سأدخلها برفقة هذا الرجل، إن البقاء بجواره هو الجحيم الحقيقي.

كنت أتحامل على نفسي طمعا في الجنة وأقوم باقتطاع جزء من وجباتي لأطعمها لخازن جنتي عيَّاش، ثم بعد تفكير طويل وأنهار الدموع التي كانت تسبق نومي، قررت أن السبيل الوحيد للخلاص من جحيم عياش هو طلب الطلاق، عندما أكون مطلقة وقتها يحق لي دخول الجنة والتمتع بجواهرها دون موافقة هذا العياش.

عندما سافر عياش في إجازة نصف العام لتفقد والدته في الأرياف كانت تلك الفترة كافية لتصحيح المفاهيم في داخلي، أخذت أفكر بوضوح و قرأت العديد من الكتب وتوصلت بفهمي العادي فلست فقيهة في الدين، لكني تلك المرأة التي تخاف الله ولا تقترب للكبائر والفواحش وكل ما أطمع به هو الحصول على راحة في الآخرة، فلم أك أرغب في أن تمتد المعاناة في الدارين.

قرأت أغلب الكتب التي تتحدث عن عظمة الخالق ورحمتة، وبت على يقين أن الله مطلع على القلوب والسرائر وهو وحده يعلم بحجم المعاناة والصراع الداخلي الذي لا يتوقف منذ اليوم الأول لزواجي، والله أرحم بعبده وأجل أن يعذب أحدا، لكونه قرر أن يضع حدا لألمه.

عاد عياش وواجهته باهماله وبروده وبشاعته وشره وأخبرته أني لم أعد أرغب أن أراه في طريقي سائرا، أخذ يهددني ويتوعدني ويبشرني بالجحيم الذي ينتظرني بعد الطلاق، لكوني عاصية ومتمردة على نعمة كبيرة لا أقدرها، لكني لم أعد أبالي طالما شرع الله الطلاق، فأعتقد أنني من ضمن الحالات التي يحق لها الطلاق في ظل عدم التوافق الامتناهي بيني وبين زوجي.

بعد معاناة وإصرار وافق عياش على تطليقي في مقابل أن أتنازل عن جميع حقوقي، فوافقت كنت مستعدة لأدفع له أي مال مقابل الخلاص من هذا الوغد الأكول.

عودة إلى بيت العائلة

صورة زيتية مرسومة لامرأة جميلة
الراحة الحقيقية 

عدت بحقيبة ملابسي إلى شقتي القديمة، لم تكن بحالة مزرية، كنت أتفقدها بين الفينة والأخرى، لم أرغب في التواصل مع عمتي كفاني ما لحق بي جراء نصائحها، بت إمرأة أخرى لا تكترث لكلام الناس، ولن ألق نفسي في التهلكة مرة أخرى حتى أسكت الألسنة التي لن تتوقف الجميع يريد أن يعرف حيثيات الطلاق وينصب نفسه حكما مع أنهم يرفلون في التعاسة ويتشاجرون أناء الليل وأطراف النهار.

أوتعلمين لقد تنفست الصعداء عندما علمت من إحدى قريباتي أن عمتي سافرت إلى دولة خليجية برفقة ابنتها لتكون جليسة لأطفالها.

بعد تقديم الاستقالة من المدرسة فكرت في البحث عن عمل يدر لي مبلغا إضافيا، فلم يكن معاش والدي يكفي سوى للضروريات.

كانت الاستقالة ضرورية لاتخلص من رؤية عياش يوميا، حاولت البحث عن وظيفة شاغرة لمعلمة للغة العربية ولكن دون جدوى.

منتيت نفسي بأن سيرتي الذاتية التي وضعتها في المدارس التي تقدمت لها، قد تمنحني فرصة مناسبة في بداية العام الدارسي القادم،  بعد فترة وجيزة تعرفت بمايا وبدأت أكتب المقالات.

بعد شهر من تحرري من عياش بدأت أرى الحياة بشكل أوضح، صدقا كان الأسف يقتلني على البقاء في مطبخ عياش لمدة سبع سنوات، لو أني أمتلك قدر أنملة من الشجاعة والمواجهة لطلبت الطلاق منذ العام الأول لزواجي، لا أعلم أي جبن وتخاذل سيطر على تفكيري وجلعني حمقاء ساذجة، أو لربما الخوف من العودة للوحدة والرغبة الفطرية في تكوين أسرة طبيعية مثل بقية البشر.

حمد لله  على فشل مخططاتي فالوحدة أفضل ألف مرة من الوقوف في المطبخ خمس ساعات كاملة دون  كلمة حانية واحدة أو حتى قول سلمت يداك، ما أقبح أن تطبخ لبالوعة آدمية لا تكتفي من ابتلاع الطعام.

أضحى الهاتف هو أنيسي الوحيد و كتابة المقالات وإدارة حساباتك يا نونة على منصات التواصل، أغلب ما احتاجه اشتريه يوم استلام المعاش ثم أعود أدراجي إلى كهفي أمسك الهاتف ولا أخرج سوى للضرورة القصوى.

شعرت بيد تربت على كتفي فالتفت فإذا هي "كميكاهاي"، لم تغادر الغرفة منذ أن أحضرت العصير ويبدو أنها فهمت بعضا مما أقول؛ إذ وجدتها تقول بلغة عربية ركيكة أنها هي الأخرى تطلقت من سنجاي زوجها بسبب إدمانه شرب الخمر وضربها وبهذا تكون قد اكتملت سيمفونية البؤس الثلاثية.

تنهدتُ بحسرة أما نونة ففاضت الدموع من مقلتيها وقالت: حياتك بائسة يا امرأة تختلف تماما عن كتاباتك المرحة.

فقلت لها: الكتابة تساعد في كثير من الأحيان على الهروب من الواقع.

قصة اتلم المتعوس والعمل مع الفنانة نونة

سألتني : عما إذا كنت اتطلع للعمل كمساعدة شخصية تتولى تنظيم الاتصالات بمصفف الشعر ومصمم الأزياء وتذكيرها بمواعيد التصوير.

قبلت على الفور، فصحبة نونة وإن كانت ستأخذ من راحتي البدنية إلا أنها ستقضي تماما على الوحدة التي أعاني منها، ولا أخفيكم سرا فأنا لا أريد الوقوع في براثن عياش آخر، فضلا عن أنني أود اكتشاف حياة المشاهير والتواجد في خضمها.

شاهد فيديو قبل ان تبحث عن وسيلة لتهرب بها مما يؤلمك 

عندما عدت الى البيت اتصلت بي عمتي التي علمت بخبر طلاقي من زوجي السابق، كانت ثائرة على تصرفي وعندما أخبرتها أنني سأعمل لدى الفنانة نونة صرخت وقالت: هل جننتِ إنه وسط مشبوه تملؤه الخمور والمخدرات والفساد، نونة التي تتحدثين عنها تم ضبطها في أحد المطارات وبحوزتها نبات البانجو وحبوب ممنوعة، ثم خرجت من القضية بنفوذها، هل هذا هو الوسط الذي تركتِ لأجله حياتك الزوجية الهادئة؟

أجبتها: عمتي ليس لنونة دخل في طلاقي، لقد فاض الكيل بي و لم أقو على المضي قدما بصحبة هذا الحقير.

فأردفت: ثم فررت من الحقير إلى الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، بئس ما فعلتِ حياة هؤلاء تملؤها القذارة والتصنع.

فقلت لها: وهل أنت ملاك؟ هل ألقبك بعد ذلك بالمعصومة سليلة النقاء يا عمتاه، جميعنا نخطئ ونصيب ونحمل الضغينة و نرتكب السيئات، الله يجازي على ما في القلوب، انزلي من فوق منبرك يا عمتي وترفقي.

فصرخت: خسئتِ أنا لك ناصحة كفاك انغماسا في الفتنة، أتحسبين أن ما تقومين به خيرا، أنتِ تغشين الناس  وتفتنيهم بتلك البائسة التي تدعي أنها بريئة وهي تفتن الرجال بجسدها العاري ولم تكتفي بذلك بل جاءت بك

 لتفتنهم ببريق الكلام، كل وسائل  الإعلام فتنة ومنصات التواصل فتنة خربت القلوب والبيوت وابعدتنا عن عبادة الخالق ،الله يريدنا في مصفوفة واحدة نتشبث بالإيمان و نجاهد الدنيا وشهواتها، ونستعين بالتقنية إن لزم الأمر  لنتزود بالخير والمعرفة والتعمق في الدين وأنتِ رميت نفسك في فتنة واختبار صعب لن تكون نتيجته في صالحك.

أنهت المكالمة بتلك الكلمات التي مازلت أسمعها وتتردد في أذني، وبت أسأل نفسي هل إصراري على الخلاص من عياش جريمة؟ هل عملي مع نونة معصية وفتنة؟ هل أخطأت بطلب الطلاق؟ هل كتاباتي كذب وتدليس و تعين الناس على ترك عبادة الخالق؟


دمتم بكل ود

رأيك يهمنا

أحدث أقدم