حياة المرأة مليئة دائما بالأحداث المتتالية، فهي في صراع مع الوقت ومن حولها لإنجاز مهام البيت التي لا تتوقف مطلقا.
قصة مذكرات إمرأة مطحونة
استيقظت كعادتي في السادسة هرولت إلى الحمام لأغسل أسناني وأعود لحلبة المصارعة التي لا تتوقف. ألهث طوال النهار ثم أرتمي على فراشي ليلا لألتقط بعض الأنفاس ثم أعاود الكرة من جديد.
غير مسموح لي بالتذمر و الشكوى ولا حتى طلب يوم عطلة على سبيل الراحة، حياة الأمهات العربيات لا تتضمن مفردات مثل الراحة، الإجازة، الاستجمام، الرفاهية.
مؤخرا أصبحت لدي بعض الجرأة وأخذت أصيح مطالبة ببعض حقوقي في عدم طبخ طعام الغداء يوم الجمعة، لكن طلبي يقابل بنظرة تحذيرية وهي تعني الرفض من قبل زوجي.
أحاول أن أستجدي لأتملص من العشاء عقب غسيل كم هائل من أطباق الغذاء وتطبيق الملابس المغسولة ووضعها في مكانها لكن هيهات.
قصة مذكرات إمرأة مطحونة ومهام المنزل التي لا تتوقف
لا أعلم حقيقة المغزى من حياة العبودية التي أعيشها وكأني جارية من زمن السلطان قراقوش، من الذي فرض على الزوجة أن تغسل وتمسح و تطبخ و تذاكر للأولاد وكأنه قانون ملزم.
ناهيكم عن العمل كمديرة مجلس أمن دائم الانعقاد لحل المناوشات والصراعات التي تنشب كل عشر دقائق بين الصغار.
لا يقتصر الأمر على هذا فهناك دور آخر منوط برقبة الزوجة، ألا وهو عملها كسفير للنوايا الحسنة وسندريلا الحنونة لدى أخوات زوجها وضرورة تحملها وامتصاصها سخافاتهم وتصرفاتهم السمجة وكأنها السفنجة اسبونج بوب.
لا يحق للزوجة أن تعترض على كلماتهم القاسية ولا حتى الاستياء من تدخلهم اللامتناهي في ما لا يخصهم، لأن الرد الوحيد الذي تحصل عليه هو:"معلش دول اخواتي".
ليتني امتلك جلد فرس النهر وبلاهة القرود و وحشية حمار الوحش حتى أستطيع أن أتعامل مع تلك الفئات.
قصة إمرأة مطحونة وروتين الصباح
لم يتوقف جرس التنبيه عن إصدار صوته المزعج، كلما هربت من الصوت بوضع الوسادة على رأسي، اخترقت ذبذباته حشو الوسادة وكأنها متضامنة معها وتدعوني لأنهض، لكي أقوم بغسل قناني المياه الخاصة بالصغار ثم تحضير طعام الإفطار والساندويتشات.
بعدها أقوم بالتأكد من وضع الكتب في الحقائب ثم أهرول بين الأسِرة
لإيقاظ الصغار.
لاحقا أقوم بمساعدتهم في ارتداء زي المدرسة، ثم تبوء جميع محاولاتي في حثهم على تناول طعام الإفطار بالفشل وأشعر بالرضا إذا نجحت في جعلهم يأكلون ثمرة فاكهة.
بعدها ننطلق مهرولين على الطريق مثل قطيع غزلان برية من أجل حضور طابور الصباح، أودع صغاري على باب المدرسة وأقسم للصغير بأغلظ الايمان أني سأعود في الظهيرة لكي أصحبه للمنزل.
قصة مذكرات إمرأة مطحونة ومهارات السيرك
أعود أدراجي وأطلق ساقي للريح وعند العودة أكافئ نفسي بشرب فنجان القهوة الصباحي لكي يهدأ الصداع الذي يحتل رأسي منذ أمد بعيد، ثم أبدأ في استحضار مهارات السيرك في ترتيب الغرف وكنسها ومسح الأرضية.
أنظر إلى ساعة الحائط وساعة الهاتف لأتأكد من إنهاء الطبخ وغسل الملابس قبل الثانية عشرة.
بحلول الثانية عشرة أرتدي ملابسي مرة أخرى وأعدو مثل فرس النهر في طريقي لمدرسة الصغار أقابلهم بابتسامة وأحاول أن أخفف عنهم وأنصت لتلك القصص المدهشة عن ضياع الأدوات المدرسية وتصرف المعلمة بعد أن قام توتو بلطم لولو وبراعة المعلمة عزيزة في حقن الدماء وفض الاشتباكات.
بعد العودة وتناول طعام الغداء نسرع لحل الواجبات ومناقشة التمرينات و محاولة فهم كل القوانين الأرضية والسماوية الفلكية منها والكميائية والبلاغية والفزيائية في آن واحد.
مناهج معقدة
صدقا تحتوي المناهج على العجب العُجاب وكأنها موجهة لدماغ أينشتاين وأرسطو وابن الهيثم والفارابي والجاحظ وابن سينا وليس لتلاميذ صغار بالكاد يستطيعون التفرقة بين حروف الهجاء.
ناهيكم عن أسلوب بعض المعلمات الذي يضفي تعقيد ويفتقر تماما إلى الأسس التربوية، فالبعض اتخذ التدريس مهنة من أجل التنفيس عن عقد الطفولة الدفينة.
هوايات خفيفة وأنشطة مرحة
أفيق من ماراثون الوجبات لانطلق مسرعة لإعداد وجبة العشاء، دائما ما يحتقر جماعة الرجال تلك المهام المتعددة ويعتبرونها هوايات وأنشطة خفيفة لا تستوجب أبدا الشكر ولا تستحق أي تقدير.
بعد انتهاء كل تلك المهام أحاول أن ألتقط أنفاسي مثل بقية البشر، لكن ما عساي أفعل لأرفه عن نفسي فإذا أمسكت هاتفي ظهرت تعابير التذمر والاستهجان على وجه زوجي وإذا حدث خلل أو تعثر الهر المنزلي أو نسيت مكان فردة الشراب التي فقدها منذ عامين.
استنتج زوجي العزيز أن السبب هو الهاتف الذي لا يفارق يدي، ولكم تمنيت أن أعنفه على اتهاماته الباطلة وأحيله للمثول أمام محكمة العدل الدولية، لكن المنطق يحتم أن أترفع عن تلك المناوشات وأعامله على أنه مُعاق ذهني لا أمل في شفائه.
قد ينشط ذكائي الدفين فأقوم باختراع موضوع تافه للنقاش وقتها يتعلل برغبته في النوم، من الممكن أيضا أن أتصنع في ليلة البلاهة والليلة التي تليها الغباء المطبق لكي أتجنب الانتقادات.
معشر الرجال يفضلون عادة تلك البلهاء الصامتة التي لا تجيد سوى وضع الطعام في معدتها و الويل كل الويل للنابهة المفكرة، إذ هي تخطت حدودها وطالبت بحقوقها.
لا أستطيع أن أشترك في صف تمرينات رياضية ولا حتى مجموعة قراءة روايات ولا الخروج للتنزه لأن الخروج من البيت في غير حاجة الأبناء يعني التسيب والهروب من المسؤوليات، إذا رغبت في زيارة والدتي عليَّ تقديم طلب يحتوي على ما يقل عن عشرة أسباب مقنعة.
قصة مذكرات امرأة مطحونة لا يحق لكِ الراحة أو التذمر
تتم معاملتي في قصر الزوجية الفاخر على أنني "أسيرة حرب" فلا يحق لي مصادقة الجارات أو استخدام الهاتف لأن أولادي ومطبخي أولى بوقتي الثمين، إذا أصبت بوعكة صحية فإن ملازمة الفراش تعد جريمة حرب لا تغتفر ويجب أن أكف عن التصنع وأكفر عن ذنوبي وأنهض دون تلكؤ لأغسل الأطباق وأطبخ.
أما إذا خالفت تلك التعليمات والاتفاقيات المبرمة من طرف واحد تنصب على رأسي ومسامعي التوبيخات والتوجيهات والملامة والتقريع من كل دابة الله آخذ بناصيتها.
ولا أدري أي أحمق قد فرض حياة العبودية تلك ووضع بنودها فأي كائن حي يحق له الراحة ولو لسويعات قليلة حتى يستعيد وعيه ونشاطه.
لا أتحدث مطلقا عن رحلة الشاطئ التي تتعدد فيها المهام الخاصة بي ما بين إعداد الشطائر ومراقبة الصغار وغسل أجسامهم من ماء البحر وتنشيفهم ووضع كريم حروق الشمس ومراقبة عودة بائع الفريسكا والعوامات.
قصة مذكرات إمرأة مطحونة ونجمات السينما
بعد كل هذا لا تلوموا الزوجة إذا تحولت لفيل صغير أو آلة تذمر مصغرة وتطالبوها بأن تبدو مثل النجمة الفلانية والمذيعة العلانية، من وجهة نظري أنها مقارنات باطلة وظالمة فمن أحمق يقارن الصاروخ في سرعته بالنملة.
النجمة الفلانية لا تعرف الفرق بين المقلاة والطنجرة وتقضي وقتها بين النوادي الرياضية و صالونات العناية بالبشرة والشعر ولديها طابور طويل من الخادمات والمدلكات والمصففات ولا تبذل أي مجهود سوى في مضغ الطعام.
أما أن تقارن أم محسن التي يتنامى صوتها عند المذاكرة مع صغارها إلى أطراف المدينة ويعرف رواد قهوة بعجر أن هذا الصريخ بسبب أن محسن نسى كعادته حاصل ضرب 4×2 وبين صوت فيروز فأنت أعذرني جاهل وصفيق.
لأن النجمات لا يعرفن شيئا عن تعليم أولادهن وعادة يدرس هؤلاء في مدارس دولية لها آليات مختلفة تماما عن المعلمة صباح التي قضت عشرين عاما في مجال التدريس وما زالت تصر على أن الصوت العالي والإرهاب والضرب هو أفضل وسيلة لتعليم الصغار.
قصة مذكرات إمرأة مطحونة ورفقا بالقوارير
هذه صفحة من مذكراتي أوجهها إلى معشر الرجال وأقول لهم رفقا بالقوارير ليس من المعقول أن تطالب زوجتك بأن تكون سريعة الحركة ومتعددة المهارات وحلالة لكل مشكلات تلف الصنابير ومقابس الكهرباء وعطل المكنسة، والمفرمة والمتحدثة الرسمية لدى معلمات الأولاد والقائم بأعمال التنظيف والصيانة والطبخ.
وتتوقع مع كل هذا أن تبدو أبد الدهر في مظهرها كنجمات السينما وتتمتع في نفس ذات الوقت بوزن عارضة الأزياء ناعومي كامبل ولباقة سفيرة النوايا الحسنة وأنت طيلة السنوات كما أنت، لا تبذل أي مجهود لتنطق كلمة رقيقة أو مجاملة لن تكلفك سوى بضعة أحرف.
لكنها كافية بمنحها طاقة تدفعها لمواصلة المسير في تلك الرحلة الشاقة.
المرأة في حاجة لبعض الراحة النفسية وبعض الكلمات الحانية حتى لا تتحول مع الوقت لتمثال حجري بلا إحساس.
دمتم بكل ود.
اكثر من رائع باسمي واسم معاشر النساء اتوجه لك بالشكر لانك كتبتي ما تشعر به جميع الامهات في الوطن العربي
ردحذفالكاتبة الراقية والأدبية المتألقة دائما / زهرة حبيب
ردحذفأسعدني مرورك الكريم وكلماتك وسام فخر لي