لا تخطط كثيرا و تستبق الأحداث فالمستقبل مجهول وما بين عشية وضحاها يحدث مالم يكن في الحسبان، هذا بالضبط ما حدث مع أم "توتو" التي تخطط لكل حركة في حفل زفاف "توتو".
قصة فرح أم توتو
العروس |
فرح أم توتو سبقته فترة عصيبة واجهتا بمفردي وحتى لا أطيل عليكم، سأقص عليكم ما حدث لي قبل وقتنا هذا بعامين حبست نفسي بغرفتي الضيقة عشرة أيام كاملة و لم أستطع وقتها مواجهة العالم ولا حتى نفسي.
أجل إنها الحقيقة التي طالما تهربت منها، فأنا من أنصار الهروب و البُعد عن المواجهة وأكره المخاطرة والخوض في المجهول، ولعل هذا كان سبب تأخر زواجي فإلى الآن ومع اقترابي من الثلاثين لم أستطع أن ارتبط بأحد فجميعهم
حمقى في نظري وأنا لست مستعدة لترك غرفتي وعالمي من أجل أحد الحمقى، حتى وإن طَلّت معظم بنات دفعتي بالأبيض واقتربت أنا والبقية من محطة العنوسة التي
تمقتها الأمهات وتعيّرنا بها الحقودات وتوبخنا على دخولها الخالات، مازلت على يقين أن أحدهم سيظهر في وقت ما ويقنعني بضرورة التخلي عن غرفتي وإن لم يظهر فخير
وبركة فالرجال مثل البطيخة أما أن تكون حمراء وأما أن تكون ماسخة بيضاء لا طعم لها ولكنك مجبرة على تناولها لأنك دفعتي ثمنها، والبطيخة هينة مقارنة بمعشر الرجال إذ سرعان ما تنسين عملية الشراء برمتها وتعوضي نفسك
بمخروط مثلجات بطعم المانجو أما الرجل فهو بضاعة رديئة لا ترد بل تبقى طوال الحياة ملازمة ومنغصة على الزوجة حياتها.
قصة فرح أم توتو - سبب الاكتئاب المفاجئ
لا أعلم تحديدا سبب اكتئاب هذه المرة فجميع الأسباب متشابهة لكن آخرها هو زوج المستقبل فأنا من قررت وبكامل إرادتي أن أفسخ خطبتي، لأني اكتشفت أن خطيبي فظ للغاية ولا يفهمني البتة وشعرت بارتياح لا مثيل له بعد خروجه من حياتي.
كان من الواضح أنني تعلقت به بدون وعي مني بعد مشاهدة مجموعة من المسلسلات التافهة التي تتناول قصص الحب ورغبت في أن أملأ الفراغ الذي أعانيه ومع الوقت أصبح تمسكي به ارتباطا مرضيا وكأني طفلة لا حيلة لها وخشيت أن يكون بقائي معه سببا لضياع حريتي وكينونتي.
الآن تذكرت السبب الفعلي لحالة الاكتئاب في تلك الفترة، إنه هذا القرار الصادم بإلغاء اللغة الثانية من المدارس وما عسى أفعل بعدها يا حضرات، هذا هو السؤال الذي ألح عليَّ طوال تلك العشرة أيام وجعلني ألتهم كميات مضاعفة من أكياس البطاطس وألواح لا حصر لها من الشوكولاته السوداء والبيضاء.
كل ما كان يشغلني وقتها هو كيفية سداد ثمن المقاعد الجديدة واللوح الأبيض الضخم، فلقد طرأت في بالي حينذاك فكرة مجنونة جعلتني أقبل على تغيير قاعة الدرس الخصوصي التي أمتلكها.
فقمت بالاستعانة بمهندسة ديكور لأتخلص من الخربشات والرسومات الهزلية التي كست الجدران على مدار ستة أعوام كاملة.
اعترف أني كنت أسعد ببعض الكتابات وبعض الأشعار وبعض المزاج وكلمات حب المراهقة التي لا تتبدل، لكن فكرت في إضافة لمسة مهنية أمر لا مفر منه لجذب المزيد من الطلبة واستعنت بأحدث التقنيات و أنفقت مدخراتي على الشاشة العملاقة والدهانات و الأضواء وأجهزة التكييف.
قصة فرح أم توتو - إلى النقطة صفر
نفدت كل مدخراتي فقررت أن أطلب من أحد النجارين أن يصنعها ويرجئ الدفع لحين استئناف الدروس الخصوصية، لكن نزل خبر الإلغاء على مسامعي كصاعقة من السماء، فها أنذا عدت خالية الوفاض معدمة في صفوف المعدمين.
لم تجدي محاولاتي العديدة بالتظاهر بالتماسك و البحث عن مصدر رزق آخر. نصحتني إحدى الجارات بأن أتجه للعمل في السياحة، ولكن لست من النوعية التي تتسم
بالمرونة لكي أتعامل مع السائحين صدقا اعتدت على توبيخ الطلبة وإصدار الأوامر بالحفظ ومعاقبة المتهاونين، فكيف بي بين عشية وضحاها أبحث عن معطف أندي المفضل أو أتحدث مع مدير فندق ما حول الكاميرا التي كسرها من يحمل الحقائب.
صدقا سأكون واجهة غير مناسبة وأثق بأني سأكون عاملا رئيسيا في تراجع السياحة مرة أخرى.
كما أنني لست مغرمة بما فعلته الملكة "حتشبسوت"، ولا يهمني لون تنورة "نفرتيتي" ولا كيف انتحرت "كليوباترا". أنا بالمُجمل لا أهوى التاريخ ولا الأماكن القديمة لهذا فإن اقتراح أم عبير قوبل بالرفض من نفسي المتعطشة للهيمنة.
لم يخرجني من تلك الحالة سوى حضور نورا وملك ولأول مرة ذرفت الدمع واعترفت بأنني خائفة مما يحمله المستقبل لي، فسنوات الدراسة لم تعد تُجدي.
حاولت نورا أن تقنعني بالعمل معها في مجال التجميل والعناية بالبشرة، فهي أضحت ممن يشار إليهن بالبنان في مجال تجميل العرائس. لكني تلك الفتاة التي تكره المساحيق ولا اعترف مطلقا بالصبغات وعندما أضع أحمر الشفاه أبدو كبهلوان فر للتو من السيرك.
قصة فرح أم توتو واتجاه جديد
لم أجد أمامي بُدًا لتسديد ديوني لنجار الأمراء وللخروج من الحالة المزرية التي طغت على روحي سوى بالانضمام إلى ملك في شركتها الصغيرة التي تخصصت في تنظيم حفلات الزواج.
منذ اليوم الأول وانهالت مكالمات من كل حدب وصوب فهناك من تريد مقابلة ملك لوضع اللمسات الأخيرة وهناك من ترغب في تعديل لون ورود القاعة وأخرى تريد تبديل أماكن الضيوف.
بعد أربعة أشهر كاملة تمكنت من سداد ديوني واقترحت على ملك بنقل مقر الشركة المتواضع إلى وسط المدينة حيث تقع قاعتي وأصبحت شريكة مع ملك بالمكان ولي نسبة من الأرباح ووظفنا سلمى لتجيب على الهاتف وتقوم بترتيب المواعيد.
لم نجني الكثير لكن كان الدخل كافيا لدفع راتب الموظفة الجديدة وتسديد فواتير الماء والكهرباء والغاز والطعام وهذا في نظري قمة النجاح.
قصة فرح أم توتو في شركتنا
في أحد الأيام هاتفتني ملك وأخبرتني أنها ستضطر للسفر إلى إيطاليا لمدة ثلاثة أشهر كاملة لحضور أحد الكورسات المجانية. وجدت ملك أن السفر سيفيد الشركة بعد أن تضيف تلك الشهادة التي ستحصل عليها.
أذاعت ملك نبأ سفرها والفاعليات التي تحضرها لحظة بلحظة على كافة مواقع التواصل الاجتماعي، اعترف أن الخطة نجحت ولاحظت اختلافا في مستوى الزبائن، لكن
كان العمل مرهقا بعض الشيء صدق المثل الذي يقول القفة ذات الأذنين من الأفضل أن يحملها اثنين، بت لا أنام سوى سويعات قليلة وكل ما في رأسي يدور حول قوالب الكعك و تاج العروس و لحظة دخول العروس للقاعة والأغنية المفضلة لوالدة العروس و أغنية أخت العريس.
لكن كل هذا يهون أمام ما فعلته بي "أُم توتو"، تلك المرأة التي هبطت عليَّ من حيث لا أحتسب. لم أنس تلك الاتصالات المتتالية التي تلقيتها من ملك وتدور حول
الاهتمام "بأُم توتو"مصممة الأزياء المشهورة، لأنها على صلة بأكابر القوم ونجاح فرح "توتو" يعني انتقال من خانة البؤس إلى خانة الثراء وتناول حبوب الإفطار صباحا بدلا من ساندوتشات الفلافل والفول التي لازمتنا وكأن بيننا صلة قرابة أبدية.
قمت بطلب باقتين من الزهور و طلبت من نشوى أن تهتم بأم توتو وتدخلها إلى مكتبي فور وصولها وطلبت منها أن تقدم أكثر من مشروب للعميلة المميزة.
حضرت أم توتو وأخبرتني أن حفل الزفاف في آخر شهر أكتوبر، شعرت بالارتياح فهناك متسع من الوقت فنحن مازلنا في أوائل يونيو ومن المؤكد أن عودة ملك ستجعل من زفاف توتو أسطورة يتحدث عنها القاصي والداني ومن يدري ربما قمنا بتنظيم زفاف أحد ابن الوجهاء.
جلست مع أم توتو لمدة ثلاث ساعات كاملة وأخذت أدون باهتمام ما تحبه وما تكرهه هي والمحروس توتو وأماكن جلوس المعازيم و ألوان ملابس الخدم لم أغفل عن أي طلب لأم توتو وبخاصة قاعة العرس الفخمة التي اختارتها في واحة صحراوية نائية.
ملاحقة أم "توتو"
انتهت المقابلة لكن ما حدث بعدها لم يكن في الحسبان أصبحت أم توتو جزء لا يتجزأ من يومي تهاتفني في السابعة صباحا لتتحدث عن لون الزهور وزفة العريس و قالب الحلوى ثم تهاتفني مرة أخرى لتخبرني أن دخول توتو للقاعة سيكون في تمام التاسعة وأن الرقصة الرومانسية ستبدأ في التاسعة والنصف.
زارتني أم توتو في الشركة أكثر من عشرين مرة وفي إحدى المرات فوجئت بها أمام منزلي وتريد تغيير لون دعوة الزفاف إلى القرمزي الفاتح، صدقا لم يتبق سوى أن أفتح الصنبور فتنساب منه أم توتو مع قطرات المياه.
غيرت أم توتو فقرات حفل الزفاف عشر مرات كاملة وفي النهاية استقرت على المطرب الشعبي ذائع الصيت ليؤدي أغاني منتصف الحفل أما الأغاني الناعمة فاختارت لها مطرب اشتهر بالمُحن العاطفي.
كنت أتوق لأن يتم حفل الزفاف أكثر من العروس والعريس وأم توتو نفسها حتى أتخلص منها ومن حرصها الشديد على ترتيب كل دقيقة من دقائق حفل الزفاف. كلما ضقت ذرعا بأم توتو منيت نفسي بأقاربها ومعارفها من علية القوم وسرحت في الأموال التي سأجنيها والشهرة ومن يدري ربما وجدت فارسي في هذا الحفل المنتظر.
اقرأ ايضا قصة زائر منتصف الليل
يوم زفاف توتو
يوم الزفاف أيقظتني أم توتو في الخامسة صباحا لتراجع كعادتها التفاصيل وأخبرتني أنها تود لو اتخلى عن لبس الكاجول وارتدي فستانا من تصميمها في الحفل حتى لا
أبدو كمنسقة أفراح نمطية، فهي تود أن يظهر الحفل في أتم صورة كما اخبرتني أنها صممت بنفسها فستانا سيكون الأروع على الإطلاق وأعدت آخر لمساعدتي سلمى.
انشغلت ملك بزفاف أحد العملاء وطلبت مني أن أتولى حفل زفاف توتو لأني على حد قولها أمتص جنون أم توتو وأتعامل معها بسعة صدر.
وصلت إلى القاعة بعد الظهر وراجعت كل كبيرة وصغيرة وأصبحت أعد الدقائق لكي يحل المساء قبل موعد الحفل بساعة وجدت عاملا من طرف أم توتو يحمل علبتين
وعندما نظرت في داخل العلبة صُدمت فالفستان الذي أعدته أم توتو لي ولمساعدتي سلمى كان لونه لا يطاق به بعض الريش الملون ولونه ليموني فاقع، ولكن كما يقال فالزبون على حق دائما ارتديت الفستان وودت لو يحدث زلزال أو تنشق الأرض ولا يراني أحد على هذه الهيئة المخجلة.
شعرت بقليل من الارتياح عندما حضرت جدة العريس ووجدتها ترتدي نفس اللون، لكن الكارثة أن الجدة أخبرتني أن كل ملابس المدعويين من تصميم ابنتها، لهذا لم اتفاجئ عندما قدم الحضور بملابس غريبة وكأنهم في حفلة تنكرية كل ما رغبت فيه في هذا اليوم هو أن يمر الحفل بسلام.
حضر عدد لا بأس به من الصحفيين وبعض قنوات الترفيه لتغطية حفل زفاف توتو وعدد لا بأس به من نجوم المجتمع وبعض الفنانين يبدو أن أم توتو مشهورة بالفعل. بعد قليل هبطت أمطار لم أرها في حياتي ودخلت مسرعة مع العازيم لداخل القاعة.
هاتفتني أم توتو باكية لتخبرني أن سيارة الزفاف تعطلت في منتصف الطريق بسب مياه الأمطار التي قطعت جميع الطرق المؤدية إلى الحفل. شجعتها لتتماسك في الحفل الذي حلمت به على مدار ستة أشهر.
حضرت أم توتو ومعها ابنها وعروسه في سيارة تابعة للحماية المدنية، وهو أمر نال استحسان الحضور و اعتبروه أمرا مبتكرا وخارج عن نطاق المألوف. كانت أم توتو ترتدي البرتقالي الفاقع الذي جعلها تبدو كبرتقالة هاربة من سلة
فاكهة أما العريس فكان يرتدي بدلة حمراء مزخرفة باللون البرتقالي لم أر مثيلا لها وجعلته يبدو كستارة متحركة، زوج أم توتو بدا مشرقا ساطعا في بدلة ذهبية، حمدا لله أن فستان العروس كان هدية من مصصم شهير.
قصة فرح أم توتو - البرق
قاعة العرس
لم تمر سوى نصف ساعة وضرب البرق محول الطاقة فانقطع التيار الكهربائي وتم استكمال الحفل بكشافات الهواتف كان صوت المطرب الشعبي بدون المؤثرات أشبه بصوت الماعز الجبلي.
أما المطرب العاطفي فلم يمتاز عنه لا بالقليل ولا بالكثير، عرفت وقتها قيمة التكنولوجيا فهي تصنع كما يقولون من" الفسيخ شربات".
شاهد ايضا فيديو أيحق لي أن أفتقدك بعد أن تبت عن حبك
كانت أم توتو مصرة على استكمال الحفل بأي ثمن وكانت تنتقل بين طاولات المدعويين وترحب بهم وتحثهم على مشاركة توتو في أسعد لحظات حياته.
أخيرا انتهى الحفل ولم تك نهاية عادية بل اسخدم ضيوف الحفل نفوذهم لنخرج من القاعة التي حاصرتها مياه الأمطار فتجمعت عشرات من سيارات الشرطة والحماية المدنية والمطافي أما انا فقررت أن أغادر الحفل مع مساعدتي سلمى في سيارة الإسعاف.
دمتم بكل ود.
القصة عجبتني جدا احسنت يا اروع كاتبة على فكرة توتو يشبه محمد عساف
ردحذف