قصة أديبة بدرجة مغفلة قصص قصيرة - أنامل عربية

قصة أديبة بدرجة مغفلة، قصة قصيرة تتحدث بطريقة ساخرة عن بعض المواعيد التي قد تجعلنا نعيد النظر في ترتيب أولوياتنا في الحياة.

قصة أديبة بدرجة مغفلة -صورة إمرأة تحتسي القهوة
اديبة بدرجة مغفلة 


قصة أديبة بدرجة مغفلة

اعتدت مؤخرا على الاستيقاظ من النوم متأخرا بت أشعر بقليل من التصالح مع النفس، فها آنذا استطعت أن أحقق ولو قليل من الموازنة بين وقت الكتابة وحياتي الخاصة، بعد أن أوشكت الكتابة أن تسحبني في بحرها العميق.

أثق أنني خلال بضعة أشهر سأتخلص من شغف الكتابة واجعل الأمر يقتصر على يومين بأقصى تقدير، ليس من العدالة أن أكتب طوال الوقت لابد من تخصيص وقت للراحة والتقاط الأنفاس.

مؤخرا عدت إلى مجالسة صديقاتي والتحدث معهن عن كل المواضيع التافهة مجددا، بداية من التذمر  المعهود بسبب المناهج الدراسية ثم التطرق إلى مساحيق التجميل وصولا لخطوط الموضة ثم نختم الجلسة بقليل من التباكي على حال النساء في المجتمع الذكوري المتعصب.

آخر عهدي بهن كانت مشاجرة حامية الوطيس وكالعادة بسبب شيء تافه لهذا آثرت الابتعاد رغم محاولاتهن الحثيثة لاستعادة الود.

لا أتقبل فكرة أن تغضب واحدة لمجرد أني لم أبحث عنها و جلست انتظرها في السيارة، إنها تصرفات خاصة بأطفال الروضة.

 النساء عادة يتشبثن بردود الأفعال الطفولية التي أمقتها، والأدهى من ذلك أن لهن القدرة على التبرير تفوق الفلاسفة، لكن كما قال الحكماء التغاضي عن حماقات المقربين يديم الود في الصدور.

قصة أديبة بدرجة مغفلة ومشاجرات يومية

اتجه بصري ناحية المكتب وتذكرت ما كان بالأمس بيني وبين زوزو من مناقشة حادة الوطيس حول أحد المقالات،  زوزو هي الوحيدة التي أخرج برفقتها عن طبيعتي الهادئة وأتحول لمشاكسة معترضة على كل ما تقول.

نبدأ اليوم بشجار و تدقيقات لا انتبه لها، تلك المرأة تثير جنوني فهي تملك أحد الميكروسكوبات في عقلها وترى الأشياء من خلاله.

وأنا ما أن أستشعر أنها فعلَّت تلك الخاصية ويقوم عقلي بخاصية الهجوم التلقائي الذي يجعلنا أشبه بالقط والفأر.

مرارا حاولت أن أكبت ما في نفسي من المشاكسة ولكن صدقا لم أستطع، لهذا استسلمت لحقيقة أن القطط تعشق من يخنقها وأنا اعتبرت نفسي قطة زوزو التي أنغص عليها يومها لكني أعطيه المذاق المميز.

نظرت فإذا هي الثامنة والنصف وكالعادة جميع من في البيت نيام، امسكت فنجان القهوة واتجهت إلى النافذة لاستمتع بهدوء الطريق قبل أن تتزاحم أصوات المارة والعربات لتشكل مقطوعة لا تتوقف من الضجيج الذي يستمر الى منتصف الليل.

عادة يبدأ الضجيج في التاسعة والنصف، أمسكت بجدولي اليومي فتذكرت أن اليوم هو موعدي مع مهندسة الديكور التي تشرف على ترتيب بيتي الجديد.

مسبقا كنت متحمسة لفكرة الانتقال لكن الآن وقد اقترب ذلك اليوم أصبحت المخاوف تطاردني ليل نهار فالمكان وإن كان فخما وتحيط به حديقة لكنه معزول تماما.

قصة أدبية بدرجة مغفلة وحياة المدينة

قصة أديبة بدرجة مغفلة - شارع في مدينة مصرية
حياة المدينة 


أنا اشتكي من المدينة وازعاج الجيران وتطفلهم، لكن ليس معنى هذا أن أفارق كل شيء، الأمر في حقيقته أشبه بحال المتزوجون يكرهون بعضهم البعض لكن فكرة التعايش راسخة في الصميم مثل الجبال الرواسي و التفكير في الانفصال لا يخطر لهم على بال.

 ما الفائدة من الحياة إن لم يكن بها شد وجذب ستكون بلا طعم، لهذا فإن الجدال أمر محتوم و أسلم حل أن تعامل المرأة زوجها على أنه معاق فكريا ويعاملها هو على أنها مجنونة وتستمر الحياة.

واصلت التفكير في مزايا السكن وسط المدينة، إذ  يجد المرء ما يحتاجه في ثوان معدودة  و تحيط به عشرات المحلات التجارية والمطاعم والمستشفيات والمدارس.

 كل الخدمات متوفرة على مدار الساعة، إذ أن المحلات لا تغلق إلا بعد منتصف الليل، فما الحاجة إذا لترك تلك الرفاهية والعيش في مكان أشبه بالسجن لمجرد أن المنطقة هادئة.

موعد مع مصممة الديكور 

أخرجني من دوامة التفكير صوت اتصال مكتب المهندسة موريا الذي أكد أن الموعد في الحادية عشرة، أعلم أن الحادية عشرة ستتحول طبقا للنمط المصري الأصيل لما بعد الواحدة، فنحن أساتذة في عدم الالتزام بالمواعيد.

ولكن لا بأس من فترة الانتظار الطويلة فأنا أجيد استثمارها، فهي تمنحني بعض الراحة النفسية والتقط فيها أنفاسي وأخرج من تلك الدوامة التي لا تتوقف من حولي.

ارتديت ملابسي وهممت بمغادرة البيت تعجبت من هدوء الشارع على غير عادة فأخرجت هاتفي، لأكتشف أن اليوم عطلة رسمية، فأي إمرأة حمقاء تلك التي تعمل في يوم العطلة هذا ما قلته لنفسي.

 لم ترق لي فكرة أن اغادر منزلي يوم العطلة لقد فوت على نفسي متعة أن أقول أن اليوم عطلة رسمية  مع أني لا أعمل في جهة حكومية ولكن أعتقد بأن البعض يفرح من فكرة وجود عطلة رسمية.

في ردهة الاستقبال 

توقعت أن تكون المساعدة أخطأت لكن ما أن دفعت باب المكتب حتى وجدت الصالة الرئيسية بها حركة وعملاء كَثيرين، توجهت لمسؤولة الاستقبال والتي ظهرت على قسمات وجهها جدية مفرطة لم أشعر بالارتياح حيالها.

أخبرتني أن هناك أربع مقابلات مع العملاء ثم يحين دوري، كتمت غيظي وأخذت أتمتم: لماذا اتصلت بي إذًا أنا لا أطيق الانتظار  ويمر الوقت عليَّ مثل السلحفاة التي أوشكت على الاحتضار.

توجهت لردهة الاستقبال والقيت التحية نظرت لي السيدة التي بجانبي وتساءلت عن سبب حضوري فأخبرتها، ضحكت وأخبرتني أنها أتت لنفس السبب أمسكت بطرف الحديث السيدة في المقعد المقابل لنا.

ماهي إلا دقائق حتى حدث انسجام وتوافق في الآراء حول ارتفاع الأسعار وفظاظة الألفاظ والعنف المبالغ في مسلسلات رمضان والتخفيضات في السلسلة الشهيرة لأحد المحلات.

شعرت بالارتياح لأن  الوقت سيمر بسلاسة ولن اضطر لتفقد الوقت المتبقي لدخولي لمقابلة موريا كل ربع ساعة.

مفاجأة غير متوقعة 

قصة أديبة بدرجة مغفلة - مكتب تصميم ديكور
مكتب تصميم الديكور


لم تأت الطامة الكبرى إلا عندما تطرقنا للحديث عن الديكورات والألوان والستائر، اكتشفت أني أجلس بجوار موسوعة مفتوحة حول الألوان الفاتحة والداكنة و الستائر المزدوجة.

 كم هائل من التصورات في رأس السيدتين وأنا لا أملك أدنى معلومة ولا أي تصور مسبق للبيت المستقبلي خاصتي.

شعرت بالاستياء من نفسي فأسرتي وثقت بي وفوضت لي أمر التحدث واختيار الالوان وها انذا أكتشف أنني على وشك دخول الامتحان بلا معلومة واحدة.

بدأت أتصبب عرقا ما العمل وكيف سأتحدث مع منسقة الديكور موريا  إن كنت أجهل درجات "الفانيليا لاتيه" و ال "هاي كلاي".

 وأخذت أسأل نفسي عن المغزى العميق من كسر البرتقالي الناري باللون الأبيض؟ وما التناغم الذي لا بد منه بين السجادة والوسائد الخاصة بالأريكة؟ وما علاقة ال "أوف وايت " بالسلام الداخلي؟

كلها أسئلة دارت في رأسي وبدت تلح علي وأنا على بعد دقائق من دخول لجنة الإمتحان، أقصد لقاء مصممة الديكور موريا وأنا لا أفقه شيئا.

فن الديكور وتنسيق الألوان 

بدأت في تأنيب نفسي بدلا من الساعات الطويلة في مطالعة القصص والكتب التي لم تعطيني أي معلومة عن هذا التوجه المصيري في مستقبل العائلة.

 كان من باب أولى أن أشتري إحدى الإصدارات الحديثة الخاصة بفن الديكور وأطلع ولو قليلا على أنواع الستائر حتى اجتاز هذا الإمتحان المفاجئ.

تخيلت أسرتي وهم يجلسون في غرفة المعيشة ولا يشعرون بالمرح والبهجة بسبب أن الخلفية لم تكن " لايت جراي" وما زاد المشهد التخيلي بشاعة أن الستائر لم تكن على "النمط" الدارك فأوشكت على التقيؤ بسبب الإحباط.

لا بد من أن أحاول أن أجمع بعض المعلومات العاجلة حتى أقابل تلك المصممة التي إن اكتشفت نقص المعلومات لدي ستختار كل ماهو قديم لتريح نفسها.

أخرجت هاتفي وبدأت أدخل على صفحات السجاد والدهانات و الأثاث وكأني أجمع الأسلحة لمعركة مصيرية.

مر الوقت في ثوان ودائما عندما نريد منه أن يتمهل يجري وكأنه في سباق لمسافات طويلة ويريد أن يحصل على المركز الأول.

اختلطت الألوان الفاتحة والداكنة و الركنات مع الصالونات والستائر بالسجاد فأنا في موقف لا أُحسد عليه أيعقل أن تكون الحياة قاسية إلى هذه الدرجة. 

قصة أديبة بدرجة مغفلة - عندما تحولك الكتب لساذج كبير

أيعقل أن أحفظ عن ظهر قلب حقب التاريخ والثورات والأشعار والسير الذاتية والنقد واللغات المتعددة ويغفل عقلي الأبله أن يميل لمعلومة واحدة تتعلق بنبات الظل أو نوع مفارش المائدة.

ما فائدة الشهادات إذا كانت لا تمت للواقع ولا تخدم صاحبها ماذا استفدت من دراسة المقارنة بين أعمال الألماني "توماس مان" و"نجيب محفوظ".

لم يكتب توماس مان سطر واحدا في رواياته عن كيفية اختيار الديكور وقطع الأثاث، وما فائدة أسطر الترجمة التي قضيت فيها الساعات وكلها جُمل ركيكة تدور حول السياسة و السياحة والحيوانات والحشرات و التنمية والبيئة.

ألم يخطر ببال المترجمين وضع فقرة عن الإضاءة و الطاولات الجانبية و رفوف الكتب العصرية؟

احتاج حقيقة لاعادة النظر في كم المعلومات التي أغذي بها عقلي فلقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أنها معلومات منتهية الصلاحية وتنتمي لأرض "أُم ترتر".

لا أتأسف سوى على تلك الساعات التي قضيتها وأنا أحاول أن أفهم وأترجم للعربية في أقل من الثانية ما تشرحه المعلمة الألمانية عن الأبيات الشعرية الخاصة بالشاعر الألماني "جوته".

هل كنت ساذجة الى هذا الحد لماذا لم اختار دراسة نبذة عن فن الديكور والأبعاد والألوان .

خطة في غاية الدهاء

يبدو أن البكاء على اللبن المسكوب لن يُفيد، أمسكت حقيبتي وتوجهت للقاء موريا التي كانت ترد على أحد الزبائن على الهاتف وأشارت إلي بالجلوس.

وجدت الغرفة عملية لأقصى درجة لكم أحتاج لمثل هذا المكتب في غرفتي لأتمكن من الاسترخاء بدلا من الكتابة على السرير أو الجلوس إلى مائدة الطعام.

أنهت المكالمة وتوجهت بابتسامة عريضة نحوي متسائلة عن الموعد الذي أود أن أتسلم البيت فيه، أذكر أن الموعد  مكتوب على الملف الخاص ولكن ها هو الحال فمئات البيوت والتصاميم في رأسها فكيف ستتذكرني.

لمعت في رأسي فكرة أكاد أشعر أنها أذكى ما جاد به عقلي منذ ولادتي، اعتدلت في ثبات ونظرت إليها في غرور وأخبرتها أنني اطلعت على ما قامت به في شقة عبد الرحمن فاندهشت وأخبرتني أن ذوقي أكثر من رائع.

أردفت: لكني لا أرى أن أعتمد شقة عبد الرحمن وحدها.

حاولت مقاطعتي لكني أشرت بكل وقاحة لها كي تصمت وأخبرتها أنني أريد مزيجا من شقة عبدالرحمن والبشمهندس أحمد.

صفقت في ذهول، حقيقة الأمر  أنا لا أعرف عن أي أحمد أو عبد الرحمن تحدثت لكن لا يخلو الأمر من وجود أحمد وعبد الرحمن في أي مكان.

 بطبيعة الحال لن تظهر المصممة أمامي هذه الحالة من النسيان التي تداهم الجميع مؤخرا.

 الشعور بالرضى عن الذات بعد نجاح الخطة

اتجهت نحو جهازها اللوحي وماهي إلا ثوان حتى أخرجت صورا رائعة لشقة المدعو عبدالرحمن وبدأت من تلقاء نفسها تقدم موازنة بين الأثاث والمساحة والإضاءة و طريقة الستائر المناسبة.

اقرأ ايضا قصة ليتني ما عرفت الحب جزء ١

اكتفيت بأن أُتابعها وهي تحاول جاهدة أن تمزج بين هذا وذاك وأهز رأسي بين الفينة والأخرى.

أعطيتها رقم محل الأثاث لتختار منه ما يناسب المكان، ولكي امنحها بعض الانتصار الذي كانت تتوق إليه قلت لها: " أثق في طريقة التصميم الخاصة بك لهذا سأترك لك مهمة اختيار السجاد المناسب". 

وكأني أهديتها شهادة الجودة إذ قفزت من مكانها مبتسمة وقالت سأحرص على تصميم وفرش المكان بنفسي ولن أترك بيتك في يد المساعدين.

اقرأ ايضا قصة فاتني قطار الحب

نهضت من مكاني وقد حصلت على الدرجة النهائية في امتحان لم أكن أتوقعه، وشعرت بالرضى عن نفسي لأني استطعت اخيرا أن أركن إلى الأسلوب الحديث الذي يرتكز على مبدأ الفهلوة ألا وهو "عُكها وربنا يفكها".

خرجت من  المكان بسلام لكني عاهدت نفسي أن أمنح نفسي بعض الراحة والسكينة، ولا بأس من أن أدلل نفسي من وقت لآخر بقراءة ما يتعلق بتصميم البيوت.

دمتم بكل ود.

6 تعليقات

رأيك يهمنا

  1. يا شيخة ابدعتي "ولو أن"

    ردحذف
  2. رائعة من روائعك .. ابدعتي .. يا فنانة

    ردحذف
  3. أبدعت سلمت أناملك أحببت طريقة السرد وأحببت المواضيع المحشوة بطريقة السهل الممتنع 👌💪

    ردحذف
أحدث أقدم