نبات أحمد الفنانة اليمنية التي تألقت كالنجمة في ليل حالك السواد, فنانة ذات روح ثائرة وظاهرة فنية لا تتكرر بسهولة. الفنانة نبات أحمد التي تقوم بكتابة كلماتها ثم تلحينها وغنائها ليست مجرد مطربة أو عازفة عود يمنية.
نبات أحمد |
نبات أحمد والمسيرة الفنية الشائكة
نشر موقع دار الهلال بقلم الكاتب محمد الحمامصي مقالاً بعض نصه:
هي ثائرة اجتماعية ناضلت لا لتمكين نفسها من الغناء فقط بل لتمكين المرأة اليمنية عموماً، فحين كانت وبعض زملائها من الفنانين والفنانات في مدينة الحديدة في قافلة فنية
لإحياء جملة من الفعاليات الغنائية الخيرية لصالح فقراء تهامة بعد المجاعة المشهورة ورفض محافظ الحديدة " حينها علي أبو الرجال" غناء الفنانات أقسمت نبات لهم أن
الفنانات سيغنين وصعدت إلى صنعاء وعادت بأمر أعلى يسمح لهن بالغناء فغنين".
الكتاب الذي صدر عن مؤسسة أروقة يشكل سيرة حياة المطربة نبات أحمد الفنية والإنسانية التي حققت مكانة كبيرة في التاريخ الفني والفني اليمني، وهي سيرة أعدها
الكاتب حمدي الجمعاني مؤكداً أن الفنانة نبات أحمد إنسانة تملك ضميراً قبل أن تكون فنانة وهذا سر شعبيتها فهي إنسانة مدافعة عن الحق أينماً ذهبت سواء كان لها أو عليها.
نبات أحمد والانطلاقة الأولى
تقول الفنانة نبات أحمد في فترة رئاسة الرئيس إبراهيم الحمدي أتت الفرصة المنشودة وانتهزت قيام حفلة فنية في تعز وتحديداً في قصر سبأ بعد أن سمعني الفنان أستاذي وقتها وأستاذ كل من في جيلي من الموهوبين والمبتدئين في الغناء.
الفنان محمد حمود العوامي والذي قام بترشيحي لدى مدير مكتب الثقافة في تعز لإقناعه بموهبتي المتميزة والموافقة على مشاركتي في هذه الحفلة الكبيرة كانت هذه المفاجأة غير المتوقعة لي البداية المنشودة التي أطللتُ فيها على جمهور.
شارك في هذه الحفلة كبار الفنانين, أيوب طارش وعلي عبد الله السِّمة ومحمد يحيى قلالة وسالم عبدالله سالم.
ومن النساء شاركت الفنانة أختي روضة أحمد والفنانة فايزة عبدالله وأنا في آخر العنقود وأصغرهم ولأول مرة أشارك وأغني و الحمدلله نجحت الحفلة نجاحاً كبيراً وباهراً أثبتُّ نفسي فيها؛ حتى إن الفنان العوامي بعدها قال لي:
لقد نجحتِ وكنتِ أحسن منهم، طبعاً كان يشجعني بهذا الكلام رحمة الله عليه لكن كلامه كان دافعا معنوياً قوياً على الاستمرار والصعود وتقديم الأفضل.
عازفة العود الأولى في اليمن |
نبات أحمد أغنيتي الأولى على أسطوانة
وتضيف "بعد نجاحي الكبير في تلك الحفلة واقتناع الكثير بموهبتي وبصوتي وأدائي, بادر الكبير محمد حمود العوامي وقدم لي ما لم أكن أتوقَّعه، قال لي:
" لازم تسجلي أغنيتك على أسطوانة"
أحسست يومها بأني طائرة من الفرح، فرحت بهذا الخبر كثيراً وتوجَّهت مباشرة إلى تعز وكنت أشعر بالفرح والرهبة تجاوزت كل هذا وسجَّلت أول أغنية لي على أسطوانة واسم الأغنية (فيني وفي روحي وفي عيوني).
كانت مولودتي الأولى غنائياً كلمات وألحان من التراث اليمني وقد منحتني القوة والثقة بنفسي، خاصة أنه قد
أصبح لي جمهوري الخاص الذي وإن كان قليلاً حينها إلا أنه منحني التفاؤل والأمل والتشجيع على الاستمرار وتقديم الجديد والمزيد من الإبداع الذي كنت أحلم به.
بعدها سجلت تباعاً عدة أغانٍ على أسطوانات أبرزها وأقربها إلى الجمهور يومها (بالله عليك واموزع) وكلها أسطوانات مسجلة لدى شركة 13 يوليو للإنتاج والتسجيلات الفنية في محافظة تعز.
وما إن أصبح صوتي مسموعاً في الأسطوانات حتى انطلقت بالغناء في المناسبات الخاصة بالحريم بأنواعها من أعراس وخطوبات ومواليد إلخ.
ومن هنا بدأ الطلب عليَّ وابتدأ مشواري في الغناء في الأعراس والمواليد والمناسبات والأعياد حتى كان يقال من لم تزفه نبات بالحضور أو فتح أغانيها كأنه دخل عرساً
ناقصاً ستجدني اليوم سعيدة عندما أجد الكثير يقول "زفيتِ" بصوتك وإبداعك ربع عرسان البلاد".
نبات أحمد عدن من الأول عرضي
وتوضح الفنانة نبات أحمد
"بعد فترة من تقديم أعمالي الفنية الغنائية، سواء كان ذلك في الأسطوانات أو المناسبات بدأتُ مرحلة جديدة في حياتي على عرض مقدم من شركة المكاوي في عدن والتي
طلبت مني الحضور لعدن لتسجيل عدد من الأغاني وإقامة بعض الحفلات غير أنَّ هذا العرض قوبل بالرفض من قبل والدي- رحمة الله عليه.
والذي عارض ذهابي إلى عدن بمفردي وقال:
(عادك صغيرة يا بنتي ولا يمكن أسمح لك تروحي وحدك إلى بلد ثاني)
وأمام إصراري ومحاولتي معه جعلته يفكر ثم يقرر الموافقة على ذهابي على أن يرافقني هو حتى لا يحرمني من فرصة كهذه والحمد الله سافرت مع والدي إلى عدن وسجَّلت ثلاث أغانٍ في أسطوانات ومنها أغنية (حبك جرح قلبي والعين تبكي)
وبعد أن رأينا النهضة الفنية التي كانت تشهدها عدن من تطور في مختلف المجالات وبالذات الفنية شعرت أنا وأبي بالسعادة الكبيرة يومها ولم نُطِلْ البقاء في عدن بل عدنا إلى منزلنا في تعز"
الفنانة تحكي اليوم |
نبات أحمد والمعاناة الاجتماعية
سواء في متن السيرة أو حواراتي معها لأجل هذا التصدير، أو فيما أملته على حمدي الجعماني، تركز نبات بتلقائية على المعاناة الاجتماعية والإنسانية للفنان الإنسان/ة.
وعلى المشاكل الاجتماعية أو المنع من الفن، أو الدور الاجتماعي لهذا أو ذاك، وعمَّا تعرض له فن أو شخص، أو على الحياة الاجتماعية للناس.
وهي شديدة الحماس داخل الفضاء الاجتماعي والأسرة. ولعل جانب الوفاء لمن أخذ بيدها لديها من ثيمات حياتها، كما أنها كثيراً ما تتحدث عن وفاء الناس لبعضهم البعض، فتقول:
"إنَّ الفنان محمد حمود العوامي هو معلم وأستاذ روضة أحمد ونبات أحمد، وأنه أضاف للتراث اليمني والفن، وله بصمة مميزة ونكهة خاصة، وهو أهم الفنانين المشجعين للمواهب الصاعدة.
أما الفنان يحيى العوامي، عمه الفنان محمد العوامي، الذي تنعته نبات بأنه صاحب واجب فقد اعتزل الغناء وامتنع عنه كليًا حزنًا على مقتل الفنان الكبير علي السمة رفيق دربه
الذي احتضنه وقدَّمه للجمهور وما زال ابن إحدى عشرة سنة، فأوقف مشروعه الغنائي على الرغم من أنه لم يغنِ سوى أربع أغانٍ، منها أغنيته الشهيرة "لا سامحك يا الحب خليتني على فراشي والقعادة".
نبات أحمد والتمرد على السياق الاجتماعي
ويؤكد هاني الصلوي في مقدمته أنه "على الرغم من تمرد نبات على السياق الاجتماعي بالغناء أو باتخاذ مواقف داعمة للفن ورفض التقليل من شأنه، فإنها في كثير من
الأحيان تناضل بداخله كما سبق الحديث، سواء في أتون الحياة الأسرية والزوجية الخاصة أو الاجتماعية العامة، أو في هوامش ذلك.
واتخاذ هذه الفضاءات مادة للسرد؛ فهذه الفنانة عاشت بالطريقة الفلانية وتزوجت عدداً من الزيجات ثم توقفت وهكذا بالنسبة للفنانين، مع تركيزها على ما لاقاه الفنانون من مجتمعهم.
فالفنان محمد العديني وهو ابن شيخ من العدين دخل المجال الفني وسجل أسطوانات في السر ولما علمت أسرته عاقبته أشد العقوبات منها إنكاره ونبذه ومنعه من دخول القرية!
بل وحرمانه من الميراث ومن رؤية أولاده حتى يتراجع عن الفن، وهو ما لم يحدث حتى رقت أمُّه لحاله وأرسلت إليه بزوجته وولديه إلى تعز، ومثل حديثها عن العديني روايتها عن فنانين آخرين.
ويرى الصلوي إن نبات في كل ذلك تجد حركتها الحقيقية وسط تشابكات المعاناة في السياق الاجتماعي ولا سيما فيما تفرضه الظروف والغربة على الإنسان العادي والفنان معاً.
فتروي مثلا قصة طرد أحد الفنانين من دولة مجاورة لأنه أحب امرأة، كما تفصل ما قاسته بعض الشخصيات الفنية اليمنية داخل وخارج اليمن.
موثقة أحياناً ما جنته أو خسرته فنانة ما أو فنان بعيداً عن وطنه، وهكذا دواليك. لا تفوت نبات فرصة في الإشارة إلى أهمية التعليم الذي هربت منه إلى اتساع ورحابة الفن.
أن بمديح بعض الفنانين المتعلمين أو الإشادة بجهودهم في تعليم أبنائهم وهي أول هؤلاء الذي اعتنوا علمياً بأولادهم، وكذلك أختها روضة أحمد التي تشير نبات إلى تركيزها الشديد على هذا الجانب لديها.
صورة قديمة للعازفة |
نبات أحمد والمرأة اليمنية والفن اليمني
قدم هذا الكتاب، على صغر حجمه، صورة واضحة عن المرأة اليمنية والفن اليمني، وقبل ذلك عن المجتمع وحالاته العرفية والثقافية، وعن ضوابط أفراده، و تضاماتهم، و تشظياتهم، والحقيقة كما يلاحظ الصلوي أنَّ
"ثمة استقصاءات أخرى قامت بها نبات أحمد وأملتها على الجعماني وهي متناثرة في مجموعات الواتس أب، والتليجرام، لفنانة أو فنان ما، من ذلك أحاديثها عن:
"الفنانين علي السمة، ومعلمها محمد حمود العوامي، والعديني، والميثالي، وآمنة حزام، ومحمد سعد، وأيوب طارش، وأبو نصار، وعوض أحمد، وبنت شريان، ورجاء علي، و... إلخ.
وهي تروي قصة طريفة عن الأخيرة، رجاء علي، أخت الفنانة الكبيرة منى علي التي تقول بأنها تزوجت بإحدى الشخصيات المعروفة وهجرت الفن.
وأنها ـــ نبات ـــ التقت الفنانة منى علي في 2004 بصنعاء إبان صنعاء عاصمة الثقافة العربية وسألتها عن أختها وفنها فقالت لها إنها
"ماتت خلاص وأنها غنت أربع أو خمس أغاني أعادت منى غناءها وقالت لهم انسبوها لي وخلاص بدل ما تضيع!".
أما بنت شريان، بحسب نبات، فهي من الجيل السابق لنبات ومن أهم الفنانات اليمنيات، بل من المتفردات منهن، ولكنها تزوجت واعتزلت الفن باكراً.
وعن هذه بنت شريان صرح فنان اليمن الكبير أيوب طارش عبسي في أحد لقاءاته أنه كثيراً ما تدرب على العزف على أغانيها التي كانت منتشرة حينها، وهذا إن دل، فإنما يدل على أصالة الغناء النسائي اليمني وتفرده.
اقرأ ايضا مقال أم كلثوم ونبذة عن حياتها
اقرأ ايضا مقال عن الممثلة الهندية ديفيا بهارتي
كان ذلك المقال تلخيصاً لإحدى المقابلات مع الفنانة العريقة نبات مع بعض التصرف, إذ تعتبر الفنانة التي ظهرت في
توقيت حرج للغاية كما ذكرت حين كان الفن محرماً على الرجال أما النساء فكان التعليم بالنسبة لهن فكرة مرعبة لتأتي هي وتعزف لحن ثورتها بأناملها الأنثوية الخلاقة.
لتكن هي أول من يعزف على العود في اليمن بل ويتمرد على العرف والتقاليد بصوته.
فبدت الفنانة كالبلبل الشادي الذي يغني في مقابر الفكر المحاطة بأسوار من جنون العرف وغطرسة العيب لتبعث الروح في مسامع الجحيم فيهمد وتنبت منه اللوتس الأرجوانية ترتدي ثياباً يمنية.
وليس الذي يشق الدرب كمثل من يمشي فيه معبداً ممهداً فالفنانة نبات, لم تكن مجرد عازفة عود تغني في وجه التحجر والتقوقع بل كانت من القلة القليل الذين كانوا للحياة أنصاراً في زمن الرفات الناطق.