الارتطام الأصعب - الأفكار والآيديولوجيات - أنامل عربية - مقال فلسفي

 الارتطام الأصعب  يكون بين من تحرر من وعي القطيع وامتطى صهوة الوعي متجهاً إلى المبادئ الانسانية والمثل العليا بدون قيد أو شرط واطلق العنان لجواد حريته غير متمادياً أو متجاوزاً لحريات الآخرين. 

وبين من مازال مقيداً بوعي القطيع وهرطقات العادات، ذلك الفرد الغارق في وحل العار، الخائف القابع خلف أسلاك القيل الشائكة, والساقط في حفر القال! 


الارتطام الأصعب
الارتطام الأصعب


الارتطام الأصعب بين المألوف والفلسفة

يشعر المقيد بالأفكار بالألم بقوة مضاعفة عن الشخصية الحرة, ومع أول ردة فعل حرة تصدر منك, لن يتمكن من اكتشاف سبب الألم الذي يجتاحه فجأة فالمسافة بينه وبين روحه شاسعة والفجوة الفكرية التي سقط فيها مروعة ولذلك هو يشعر بالألم!

فإن رد الأمر للشرع لن يجديه فالشرع لم يأتي إلا ليحميه من الألم,  وإن رده إلى المنطق فلن يغنيه فالمنطق لا يحكم على أي معادلة ذات طرفين صائبين بالخاطئة أبداً فتجده يهرب إلى متنفسه حيث يجد نفسه صائباً. 

الارتطام الأصعب
الارتطام الأصعب


فلا يكون بإمكانه إلا التستر على وجعه المبهم بترددات محفوظاته وذبذبات برمجته البالية بترديد أساطير المقيد بالماضي كمحاولة يائسة لردع الغير مقيد عن الإيمان بنفسه, الموجود هنا والآن في الحياة الحقيقية ودفعه بشتى طرق التشدق والتفيهق باتجاه الرضا والتسليم والقبول بحياة الزيف هناك حيث تقبع روحه المربوطة!


صدقني أنه نفسه لا يعلم أن وجعه ما كان إلا نتيجة ارتطام عبوديته للوعي الجمعي ومقتنيات عقله الباطن الرثة بحاجز حريتك الفولاذي فالرصاصة الحديدية الصغيرة مؤهلة لمصادرة الروح من جسد الأسد, اسطورة القوة ووهم المعجبين! 

هو يشعر بالألم فقط ويعتقد أن سببه وقاحتك وجرأتك على مقدساته المتهالكة,  خاصة إن ظن بعض الظن الذي يحسبه من حسن الفطن أنه أحد تلك المقدسات, سواء كانت مقدسات نوعية أم عرقية.

وهكذا كلما كان مرضياً في ظل خزعبلاته, كان تشبثه بتلك الخزعبلات أشد شراسة ونهم, ولكن الغريب الأغرب من كل هذا, هو إن كانت تلك الخزعبلات ظالمة له مصادرة لحريته مجحفة في حقه فما الذي يدفعه إلى التشبث بها!

الحقيقة أن قصة بني إسرائيل مع نبي الله موسى ملهمة للغاية فلما هلك فرعون ردد المؤمنون بموسى "فرعون لا يموت!" 

حتى تقيئ البحر جسده النتن بأمر الله لتكن القضية الجوهرية بالنسبة لموسى عليه السلام ليست هلاك فرعون وأتباعه بقدر ما كانت القضية إقناع بني إسرائيل أنهم أحرار

الارتطام الأصعب
الارتطام الأصعب


الارتطام الأصعب وزوابع الفناجيل!

أنا أرى أن أشد أنواع العبودية ليست تلك التي يصدرها الإعلام على هيئة نخاس وسوق نخاسة فنبي الله يوسف كان أحد بضاعة تلك الأسواق في يوم ما,  لكنه بوعيه العذب وصل إلى سدة الحكم, هناك حيث المكان الملائم لمثله.

وهنا أقول أن وعيك بالأشياء وتعريفك الذهني للقضايا, يحدد نوع المشاعر التي تشعر بها ويرسم الخارطة التي ستسلك الحياة وفقاً لها, بل إن الأمر أعمق من ذلك بكثير.

فإن اقتنعت أن كلمة سحابة مثلاً نوع من المسبة, فسوف تشعر بألم كبير كلما قالها أحدهم في وجهك أو رددها على مسامعك. 

الأشياء والمقتنيات والأفعال العادية التي نقوم بها بشكل معتاد ليست جرائم لكننا قد نحولها بالأفكار المغلوطة العقيمة الفارغة إلى ما هو أشد عبثاً بالإنسانية من الجرائم.  

جلوسك بطريقة معينة عيب واستخدامك لكلمات معينة عار وهلم جرآ, فما الذي سيحدث في السماوات السبع والسبع الأرضين إن هززت فنجال القهوة بعد شربه أم لم تهزه مثلاً!

وسيتجلى لك ذلك بوضوح عند مغادرتك للمنطقة التي تعيش فيها منذ زمن طويل إلى منطقة أخرى لتجد ما تجده صائباً خاطئاً, وما تجده خاطئاً صائباً لتشعر في بادئ الأمر بالصدمة والألم الذي كان سببه ارتطام الواقع بحاجز المعتقد والمألوف عندك.

بل دعني أتجرأ وأقول لك أن كلمة الواقع وهم أيضاً, فالأشياء والأحداث والمشاعر مرتبطة بتعريفنا الذهني لها فقط. 

فالواقع حسب تعريفك وفهمك ليس هو الواقع الذي أعيش فيه حسب تعريفي وفهمي,  فجرب مثلاً أن تقنع نفسك أن الموت ما هو إلا رحلة عبور من الحياة الأولى إلى حياة مختلفة ذات سمات مختلفة!

تفلسف كثيراً في تفكيرك وجد إجابات مرضية لكل تلك الأسئلة القادمة من خندق (الإيجو) المظلم, ستلاحظ حتماً أن مشاعرك تجاه الموت تغيرت بقدر قدرتك على تغير المفهوم في اللاواعي.

الشخصيات الشفافة أقل ألماً وأقل عرضة للصدمات المدمرة وذلك لأن أصحابها ذوي أمزجة مرنة يعتادون سريعاً أو أن لهم عقولاً فلسفية تحلل المعطيات لتعيد تركيبها من جديد بصورة واضحة فيتفهمون سريعاً. 

وهذه الشخصيات مؤمنة وصالحة لا ترتطم بالأشياء إنما تجعلها تعبر بسلام.

فإن تناولنا شخصية عمرو بن هشام على سبيل المثال الشهير بــ"أبا جهل" فهي شخصية مبرمجة تعاني وبشدة من العبودية للقناعات والأفكار. 

وما كان حمله للسلاح دفاعاً عن صواب أوخطأ, إنما دفاعاً عن مكنون جمجمته. 

وتجلى ذلك بوضوح في عرض الملك الذي قدمته قريش للرسول صلى الله عليه وسلم,  إذ فضلوا تتويجه وجعله ملكاً عليهم على أن تنتصر أفكاره العادلة المنصفة للإنسان قبل كل شيء!

 وانتصار الإسلام لم يكن نهاية المشكلة فالمشكلة باقية ما بقيت العقول الهشة التي لا تستطيع الحياة أو الإستمرار إلا ضمن قطيع, وأحسب والله أعلم أنهم يشكلون السواد الأعظم من الناس.

الارتطام الأصعب
الارتطام الأصعب


الارتطام الأصعب والايديولوجيا

إن الايديولوجيا نوع من الورم الخبيث الذي يجمع ملايين البشر ليصنع منهم نسخة واحدة فتلاحظ بقليل من الفراسة ذلك الإنطفاء المرعب في صفحات وجوههم. 

أوفي ذلك الوحش الوغد الذي يحظر فوراً ليتلبس ملامحهم عند اتجاهك بقليل من حرية الرأي بعيداً عن ما يألهونه من الآفكار البعيدة كل البعد عن منطق أو حق عادل!

هنا السؤال الذي يجب أن تطرحه عليه ببساطة هو:

"هل على العالم كله ضبط سلوكه على بوصلتك والتصرف بما يتوافق مع توقعاتك وتطلعاتك؟"

عليك أن تفهم أن الآخرين لن يتقبلوك إن عجزت عن تقبلهم،  وأن تعي أن الماء الكثير لا يحتويه الإناء الصغير, فاعطهم من الأفكار بقدر آنيتهم رفقاً بهم,  وذلك هو الإنهزام المشرف للعالم الحقيقي. 

ولا تكن من ذوي الايديولوجيات التطرفية أنت الآخر, فتؤمن بأن على جميع الناس احترامك وتقديرك, وإلا كان الإرتطام من نصيبك أيضاً خاصة إن تكالب عليك النمل وأقروا في حقك كساد الرأي.

اقرأ ايضا مقال عن الانجازات بين المنطق والفلسفة 

ماعليك إلا أن تتبسم في وجه كل شيء ثم بلورته فكرياً, أو بمعنى آخر إعادة تدويره ذهنياً ليصبح الشوك بعدها قطناً ناعماً فلا تشعر بالألم أبداً. 

اقرأ ايضا مقال عن ظواهر غريبة تتحدى المنطق

من أجمل المقولات التي قالها المفكر أوشو هي أن العواصف لا تقتلع الأعشاب إنما تقتلع الأشجار!

فبقدر قوة استقبالك الذهنية للحدث يكون تقبلك له, وهذا ما يفسر ذلك الجلد العظيم الذي يواجه بعض البشرية به الكوارث أمام تلك الهشاشة المريعة التي تستحوذ على البعض الآخر تجاه أسخف القضايا وأقلها شأناً.

رأيك يهمنا

أحدث أقدم