قصة شخص لا يشيب (على أي حال تمضي الأيام لا فرق بين مرورها ولن تشعر بمرورها, والم تقم بخلق فرق بين كل يوم والآخر فستمضي الحياة كلها كأنها أسبوع واحد، لا بركة فيها، حتى العقول لا تنضجها الأيام، إنما محتواها... فإن كان متشابهاً ظننت أن العام يوم واحد... وحدهم المتجددون الذين يتعلمون كل يوم, هم الذين يعيشون أطول وإن كانت أعمارهم رقمياً قصيرة)
قصة شخص لا يشيب |
قصة شخص لا يشيب وموقف لا ينسى
أنهى فؤاد
قراءة المذكرة وهو في عملية بحث مستفيضة في درج مكتب عماد عن شيء ما بإمكانه أن يدينه،
لعله يسترد الحق المزعوم وتتجدد الفرصة لأخيه في نيل الوظيفة ذات الدولارات والبدل
الأنيقة!
رفع
رأسه ممسكاً بالمفكرة التي هزت كلماتها وتراً في قعر روحه الظمأى ليجد عماد واقفاً
أمامه يراقبه. ارتبك فؤاد وتعرق وجهه وجف ريقه من صعوبة الموقف فقال عماد بهدوء:
- - لعلك تبحث عن هذا..
مد يده
وتناول مصحفاً من على الرف وأعطاه فؤاد ثم أضاف:
- - أنا مثلك بحثت عنه في أول يوم في جميع مكاتب الشركة وقررت أن احضر واحد إلى مكتبي لعل أحداً يحتاجه.
تهللت
اسارير فؤاد وقال مبتسماً مرتبكاً وقد لاح الخزي واضحاً على صفحة وجهه المكشوفة:
- - نعم.. نعم.. بحثت عنه أنا ايضاً في جميع المكاتب مثلك..
وتأكدت أن بحوزتك واحد لذلك جئت ابحث عنه هنا.
امسك
بالمصحف محاولاً لملمة ماء وجهه الذي انسكب على الأرض انسكاب كوب قهوة بارد ومنح
عماد مقفاه متجهاً باتجاه الباب للخروج من المكتب.
فناداه
عماد مبتسماً:
- - نسيت أن تعطيني نسخة المفتاح التي بحوزتك!
عاد
فؤاد أدراجه ذليلاً يحدق في عيني عماد بخوف وهو يناوله نسخة المفتاح وقد عقد لسانه
بعقدة العجز عن تبرير حمله لها.
اخذها
عماد وأدار وجهه باتجاه النافذة ليعطي للمسكين الغارق في خجله فرصة الانصراف
المخزي. خرج فؤاد في حالة تشويش لا دواء لها وبينما كان يفكر ويقلب ما حدث في رأسه
قفزت أرشيفة أمامه لتمنح الموقف مداخلة كما تعود الجميع عليها:
- - واو ... مصحف في يد فؤاد.. هذا تطور رهيب يستحق
أن يكتب بأحرف من نور على بوابة الشركة.
نظر
إليها فؤاد بنظرة مملوءة بالخزي وخيبة الأمل بعينين غائرتين بصمت الذين باضت
الطيور على رؤوسهم!
لم
تفهم أرشيفة لماذا لم يطردها فؤاد كالعادة وينادي نوال لتسحبها من مكتبه ومن أين أتى إليه الأدب المفاجئ الذي لم يكن لائق على مثله مطلقاً!
خرجت
بهدوء كأنها تجر أذيال الخيبة بعد أن فشلت في استفزازه كالعادة وذهبت إلى مكتب نوال
ودخلت سريعاً دخول من يحمل الخبر المفزع واقتربت منها مسافة المناجي وهمست:
- - تاب فؤاد!
قصة شخص لا يشيب ( أرشيفة والخبر) |
كانت
نوال منهمكة في العمل وما أن رفعت بصرها إلا وسمعت الخبر الذي امتزجت نكهته بروح أرشيفة
ذات الظل الخفيف إلا وضحكت ضحكة رجت المكتب.
لم تكن
تعلم في الحقيقة محتوى الخبر لكن أسلوب بثه هو ما أضحكها خاصة وهي تعلم مدى مشاكسة
أرشيفة لفؤاد، الرجل المزاجي سريع الثورة!
حاولت
نوال قطع ضحكتها لتسأل عن سبب قول ذلك لكنها وجدت صعوبة بالغة حتى تمكنت من الهدوء
والانصات للخبر الجديد الذي أتى بأرشيفة على طبق من فضة في خضم ملل العمل وفوضى المستندات.
قصة شخص لا يشيب و فؤاد في مكتب خالد
أما
فؤاد فانطلق إلى صاحبه خالد في نفس الشركة وأخذ يناجيه بالموقف لعله يشرح له
أبعاداً أخرى غيرتلك الأبعاد التي اعتادوا عليها، الأبعاد البشرية الطبيعية، فلم
يعهد كليهما أن تمر بهم شخصية كهذه لا تثور ولا تنتصر، لا تتشبث بحق الرد ولا
تبالي بحق اثبات كينونتها!
حاول
خالد الذي يدعي أنه يفهم الناس أن يفلسف الحدث بدلاً من فلسفة أسبابه:
- - انه رجل ذكي اعطاك المصحف ليقول لك بطريقة غير
مباشرة أنك تفقد الإيمان ثم أخذ النسخة التي بحوزتك من مفاتيح المكتب وهذا يعني أن
من أعطاك النسخة، أبلغه بذلك ليكسب وده ولذلك لم يكن متفاجئاً..
كان تحليل خالد سقيماً جداً
للمشهد لأنه استبعد في تحليله وجود شخصيات مختلفة على سطح الكوكب. سكت فؤاد ولم
يعلق على حديث خالد لأنه سرق النسخة من المخازن حين إصلاح الماسورة المكسورة.
كان
صندوقاً خشبياً يحوي على نسخ مفاتيح المكاتب مرقمة بأرقام المكاتب ولم يكن فؤاد
بذلك الشخص الذي يأمن أي أحدٍ بسهولة.
اقترب
خالد من فؤاد ولاحت في تجاعيد عينيه المبتسمة نشوة العبقري الذي حل المسألة وهو
يقلب السكر في فنجان قهوته واخذ يحذره:
- - يجب عليك أن تحذر في المرات القادمة!
وقف فؤاد
مضطرباً وسلك طريق مكتبه لا يلتفت وأرشيفة تقف في قلب البهو تراقب الذاهب والغادي
وتتبعت خطواته بنظراتها الفضولية حتى قاطعها صوت المدير:
- - كالعادة تتفقدين أحوال الشعب!
خجلت أرشيفة
وهربت باتجاه الأرشيف وهي تبرر:
- - والله يا أستاذ علي أني خرجت للتو لأشرب وأعود.
اتجه المدير باتجاه
مكتب نوال واستدار قليلاً ليرد عليها:
- - انتبهي أن يفوتك أي تفصيل.
بدت تلك
الجملة للجميع سخرية من المدير, لكن الحقيقة أن جملته تلك كانت أمراً نافذاً. وخلف تلك
السيدة المجنونة تكمن الأسرار المكنونة.
فكر في حياته التي باتت كأنها ساقية يطوف بها جمل مسن معصوب العينين لا يكل ولا يمل من الطواف حولها.
- لماذا أعيش.. وأين أنا.. وكيف مرت السنوات دون أن أشعر بها؟
اقترب من المرآة ليرى شخصاً يبدو بالستين من عمره.. حاول تذكر السنوات التي قضاها في الشركة لكنها كانت يوم واحد فقط!
الحقيقة أنها كانت عشرة أعوام لكنها متشابهة جداً حد التطابق إلا من أرشيفة التي تخلق الأجواء المفعمة بالمرح. فلولا وجودها لكانت الشركة منتجع للضايع ومقبرة للروح!
- عمري 45 عاماً أولادي باتوا كباراً.. لا أدري كيف كبروا ومتى وفي أي صف يدرسون!
ليس لفؤاد ذكريات غير تلك التي جمعته بزوجته وكل السنوات بعد ذلك مرت رتيبة متشابهة حد الثمالآ..!!
لاحظ فؤاد متأخراً أنه يأكل ويشرب وينام..لم يلعب مع صغاره, لم يستمتع بطفولتهم.. لم يحضر لأحدهم يوماً ما حفل تكريم, لم يسافر مع زوجته, لم يجرب مهناً متعددة, لم يخرج مع أصحابه في رحلة, لم يزر أمه من فترة طويلة, لم يغامر, لم ينتج, لم يتعلم أشياء جديدة, حتى أنه بات لا يقبل الأشخاص الجدد في حياته!
شاهد فيديو خطوتك الاولى ستهتز عندها قدمك ولن تثبت
👍👍
ردحذف