قصة من هنا بدأت الحكاية - قصص قصيرة جزء ١


قصة من هنا بدأت الحكاية قصص قصيرة
قصة من هنا بدأت الحكاية 

قصة من هنا بدأت الحكاية الجزء الأول

قصة من هنا بدأت الحكاية أمي بعيدة عنا، خمسة عشر يوما بالتمام والكمال قضتها أمي بعيدا عن بيتنا؛ استعدادا لفرح رباب ابنة خالتي اعتمدت فيها مرغمًا على الأكل الجاهز وبعض الأكلات التي أعدها والدي تنفيسا عن رغبته المكبوتة في الطبخ .

اضطررت أنا واخي الصغير ماجد على تناول هذا الطعام ليس مجاملة لوالدي، وإنما مناصرة منا وإثباتا وإقرارا بحق الرجل في ممارسة هوايته المفضلة والتي حُرم منها رغما عنه في ظل وجود السيدة والطباخة الأولى ألا وهي أمي.


تراكمت الملابس المتسخة في جنبات المنزل وكنت أسمع تقريع والدي وأتجاهله ببساطة ،فما ذنبي فأنا لم أخلق لتنظيف البيوت والغسيل .

كما أن أمي لم تشاركنا يوما ولم تطلب فكيف لي وقد وصلت للثانية والثلاثون أن يُطلب مني تلك المهام، وجل ما أعرفه هو وضع غسيلي المتسخ في سبت الغسيل وتلك المهمة أديتها ببراعة طوال تلك السنوات.


ضاق أبي ذرعا بملابس ماجد حتى أنه أقسم أن يرميها ولم يرحمنا سوى قدوم أمي قبل الزفاف المنتظر بيومين لتتفقد أحوالنا، ونحمد الله فقد كانت بمثابة المنقذ والمخلص بداية من طبيخ أبي و نهاية بغسيلنا الذي فاق الحد ناهيكم عن طبقات الغبار التي تكونت فوق الأثاث وعلى الأرفف.

 حقيقة ولو تأخرت أمي لاضطررنا آسفين على ارتداء أوراق الجرائد أو الرجوع للعصور القديمة وارتداء جلود الحيوانات ولربما احتجنا لمن يعيننا على رفع الغبار الذي احتل أركان البيت. 

اقرأ قصة الماضي يعود من جديد

وكأن العيد قد أتى بقدوم أمي وكأن الجدران قد أحست بوجودها فتهيئت ونظفت نفسها، فأمي كساندريلا تشع بهجة وحب وتدندن بأغنيات قديمة وهي تؤدي الأعمال المنزلية ولها نفس في الأكل يصعب تقليده وكأنه ماركة مسجلة خاصة بها وحدها. 

أحضر أبي البدلات في طريق عودته من العمل وتهللت أساريره حينما وجد البيت في أتم حالات النظافة والكمال ومما زاد من بهجته تلك العلبة الصغيرة التي كانت تحتوي على كعك قادم من بيت خالتي.

 

قصة من هنا بدأت الحكاية في حفل الزفاف.. 

في يوم الزفاف تجمعنا جميعًا في منزل خالتي وأشرفت على وضع الأنوار واستقبال الأقارب في الدور الأول وتقديم الطعام، انهمكت أمي وخالتي بتجهيز الطعام وغسل الأواني إلى العصر أما العروس فانصرفت باكرًا إلى الكوافير بصحبة أختها الصغرى ميار. 
قام ماجد بتوصيل رباب وميار أما أنا ففضلت البقاء مع أبي وزوج خالتي، عاد ماجد بعد العصر وقد تصبب عرقا من كثرة طلبات رباب فمرة تريد دبابيس بأطوال كذا وكذا وتارة مثبت للأظافر وأخرى لشراء الغداء للعروس وصديقاتها.


أقسم ماجد حين تتزوج ميار لن أكرر تلك الكرة مرة أخرى  وأنني من سيقلها فضحكت منه. وفي المساء وبعد امتلاء القاعة دخلت رباب كأميرة متوجة بصحبة زوجها علاء، تهللت القاعة بالزغاريد وعمت الفرحة  أرجاء المكان. 

كانت خالتي وأمي في غاية السعادة ولم أر أمي وخالتي بهذه الفرحة من قبل، وقفت بين أبي وزوج خالتي نستقبل ضيوف العرس وعلى الجهة المقابلة كان يقف والد العريس وأعمامه ،بينما انهمك أخي ماجد في الرقص مع أصدقائه.

اقرأ قصة قتلني الإنتظار قصص قصيرة 

لم يكن يشغلني في كل هذا سوى تلك الصغيرة التي سولت لها نفسها لكونها أخت العروس فلبست ملابس أكبر من سنها ووضعت المساحيق، كنت أتابعها من لحظة دخولها القاعة وكلما هممت بالذهاب للتحدث إليها طلب مني والدي أن أبقى إلى جواره. 

وعندما لاحظت أن شباب الحفل ينظرون إليها وهي ترقص مع أختها لم أتمالك نفسي وهرولت باتجاهها، ما أجملها! 



قصة من هنا بدأت الحكاية الغيرة المحمودة

هكذا قلت لنفسي، و وقفت أنا الآخر أتابعها وعندما انتهت أشرت إليها، فأتت نحوي فقلت لها: "ما هذا الذي ترتديه يا ميار ولم كل تلك المساحيق على وجهك ؟ ولم ترقصين؟" 

فنظرت لي مستنكرة وقالت: 

"اليوم زفاف أختي إن كنت تجهل ذلك وأمي وأبي يرتضيان لبسي ،بدلا من أن تجاملني بكلمة ما هذا يا عصام لم أعهدك فظا قبل اليوم." 

فقلت : "أتنزعجين لكوني أخاف عليك؟"

ردت: " من أي شيء تخاف علي ؟ اليوم زفاف أختي ويفترض أن أكون أجمل فتاة بعد العروس مباشرة." 

فقلت: "أنت صغيرة لتفعلي هذا."

فردت: " صغيرة! لست صغيرة يا عصام أنا في الجامعة لم أعد في المدرسة وليس بيدي مصاصة ،أنا كبيرة بما يكفي  ووضع المساحيق في الأعراس شيء طبيعي وخاصة فرح أختي ."

قلت لها بغضب: " اذهبي وإياك أن ترقصي مرة أخرى ولن أحاسبك الآن". 


ذهبت متبرمة وهمست لوالدتي ولابد أنها كانت تشكو مني؛ لأن أمي سرعان ما قدمت نحوي معاتبة:

" ما بك يا ولدي لم تعنفها إنه زفاف أختها ومن حقها أن تفرح وتلهو كفاك تعقيدا ! "


قصة من هنا بدأت الحكاية و عمي الأعزب

لم أشأ أن أتجادل مع أمي فليس المقام بمقام جدال أو طرح وجهات النظر ولكني أعجب كل العجب لفتيات هذه الأيام فالفتيات في الأيام العادية يرتدين الاسدال و يعتلي وجههن الخجل.

 أما في  حفلات الزفاف تراهن متبرجات وعليهن المساحيق وشعرهن مسدل وكأنهن أتين من أستوديوهات التمثيل فلم لا تكون الأفراح قسم خاص للفتيات والنساء وآخر يُخصص للرجال فلقد ارتفع ضغطي لرؤية تلك الصغيرة ترقص وتتمايل أمام أعين الشباب ولو اعترضت فأنا رجعي ولا أفهم ومتزمت.


ذهبت لأجلس بجوار عمي توفيق، وعمي توفيق أعزب رفض الزواج وعاش حياته بلا زواج كان يكره قيود الزواج ويرى أنه سجن مؤبد. عندما جلست لجواره سألني :

"لم يرقص العريس بتلك الفرحة ؟ أعرف أن المسجون يرقص بعد خروجه من السجن لا قبل دخوله، أما العروس فيحق لها الرقص يا بني إذ أنها بتلك الوثيقة التي وقع عليها العريس بكامل إرادته قد اكتسبت حقها الشرعي في قمعه وفرض هيمنتها عليه هي وذريتها إلى يوم الدين.. " 


ضحكت لحكمة عمي فهي تستحق التمعن، وإن كان الزواج شرا، فهو شر لابد منه، لابد للرجل من أن يتزوج، ليجد من تغسل له الثياب وتمسح طبقات الغبار..

انتهى الحفل وأخيرا ستعود أمي للبيت و سيعود الوضع إلى ما كان عليه فأنا اشتقت لكل شيء معها حتى فنجان الشاي الذي كنا نحتسيه سويًا بشرفة منزلنا كنت أحدث أمي عن أحداث يومي وما قمت به في العمل وتستمع إلي باهتمام وكأني أقص عليها ملحمة تاريخية أو قصيدة شعرية. 



قصة من هنا بدأت الحكاية و الحب العذري

مرّ شهران على زفاف رباب وعادت الحياة لوتيرتها الأولى بين أمي وخالتي ساعة أول النهار على الهاتف وساعة آخره ولقاء مفتوح في يوم الجمعة كم تمنت أمي أن أكون أنا وماجد بعد زواجنا مثلها وخالتي.

لكننا معشر الرجال نختلف تماما عن تلك الطبيعة العطوفة للنساء فأنا لا أتخيل نفسي أجري محادثة مع ماجد تستغرق ساعة ولم أجريها إن كان ولابد فلما لا نكون في قهوة أو نشاهد فيلمنا المفضل.


كنت أتحدث بين الفينة والأخرى مع ميار آملا تخفيف حدة غضبها ولكن العكس هو ما حدث بالضبط فأغلب رسائلنا تنتهي بمشاجرة ونقسم كلانا ألا نتحدث ثانية وأظل مغتاظًا متمسكا بقسمي متمنيًا لو رأيتها لأنتقم منها ثم يمضي يوم وترسل لي "صباح الخير " فأنسى كل ما كان ونعاود حديثنا ثم نختلف على نقطة فنعيد الكرة.. 


اعتدت مراسلتها ومقاطعتها غير أني أفضل مراسلتها مع كل المناوشات التي تحدث لأطمئن عليها، أثناء جلوسي وأمي كعادتنا لنشرب الشاي قبل نزولي المعتاد للجلوس بصحبة علي وأيمن أصدقاء الطفولة أخبرتني أمي أن خاطبًا قد تقدم لميار وأن خالتي وزوجها في مرحلة التشاور والسؤال عن الخاطب الذي أتى عن طريق عمتها ابتسام.

قصة من هنا بدأت الحكاية و الاعتراف بالحب
الاعتراف بالحب 

قصة من هنا بدأت الحكاية والاعتراف بالحب

لو لم أكن مخاصمًا لها من يومين لربما أخبرتني أن هناك خاطبا تقدم لها، أحسست بقليل من الغضب ممزوجًا بحيرة وقلق مع ثورة طفيفة عارمة مع أني لا أحب ميار ولكني تعلقت بها واعتدت على مراسلتها حتى أنني كنت أتجاهل علي وأيمن لنتحدث على موقع التواصل ثم نتشاجر ونفترق ليومين ثم أعود إليها واكلمها. 

لم أتخيل أن ترتبط تلك المشاكسة  بآخر فتحدثه وتتشاجر معه لن أطيق الحياة بدونها فأيام خصامنا أنظر في الهاتف كل عشر دقائق لأرى إن كانت أرسلت شيئا وأرسل لها ثم أقوم بمسح الرسالة وأنتظر لتعود وتراسلني، فكيف سأنسى كل هذا وأعود لأكون مجرد ابن خالة لا يراها إلا في المناسبات.


عدلت عن النزول لملاقاة أصدقائي وأمسكت هاتفي ودخلت حجرتي وأرسلت لها

- "صحيح أن هناك خاطب تقدم لك؟ "

- "أجل " هذا ما أرسلته.. 

- "وهل وافقت عليه؟ "

- "مازلت أفكر"

- " أعتقد من الأولى أن تنتبهي لدراستك لتتخرجي أولا" 

- "لا أعلم...مازلت أفكر"

- "وهل تضمنين أن يحسن إليك في المعاملة و يحافظ عليك ..قد يكون هناك من يهتم لأمرك.." 

فردت مسرعة:

- " من؟"

فكتبت :

" هل تتذكرين يوم زفاف أختك ذلك الشاب الذي نهرك وعاب عليك تصرفاتك وشكوتيه لأمه؟"

فكتبت :

"أذكره وأعرفه تمام المعرفة ما به؟ "

فكتبت:

"إنه هو ...من يهتم ويكترث لكِ ولا يتصور أن يقوم أحد غيره بمراسلتك أو التشاجر معك.. "


قصة من هنا بدأت الحكاية والارتباط المقدس

فتأخرت في إرسال ردها وكانت تلك اللحظات أصعب علي من وقت انتظار نتيجة الثانوية العامة،  فلقد حبست أنفاسي وقتها وكادت روحي أن تفارق جسدي وها هو الأمر يتكرر بصورة اقسى وأصعب.

 وقتها لم أرتح الا بعد أن عرفت أني نجحت وأنني سألتحق بكلية الهندسة التي طالما حلمت بدخولها منذ صغري، ولم تهدأ نفسي إلا بعد أن كتبت هي الأخرى:

" وأنا لا أتصور مزعج آخر أقوم بمراسلته والتشاجر معه". 

بعدها بأسبوع واحد تمت خطبتنا في جو من الألفة والسعادة، فأمي وخالتي كلتاهما رحبت بتلك الخطوبة؛ فلم تكن الخطوبة تتويجًا لحبي لميار فحسب.

بل لقصة حب أمي وخالتي وارتباطهما الدائم فلقد كانتا توأمتان متماثلتان في كل شيء ولم يفرق بينهما سوى أبي وزوج خالتي ثم عاد الود من جديد في ارتباطي بميار.


غيرت ميار قليلًا من عاداتي السيئة فما عدت أُطيل السهر خارج البيت كسابق عهدي، تغيرت حدتي المعهودة وسمحت على مضض بارتداء ميار فستانًا مكشوفا .

غير أني جعلت حفل الخطوبة قاصرا على الفتيات والنساء أما الرجال فتم استقبالهم في طابق منفصل تم عقد القران بناءً على رغبتي؛ لأنني كنت أجهز للسفر للعمل في السعودية وكنت أريد أن اصطحابها معي في أقرب فرصة. 

لم يكن راتبي في الشركة يكفي لفتح بيت وبناء أسرة لأن جُل راتبي أنفقه على السيارة والمخالفات فأنا أعشق السير بسرعة على الطريق وما يتبقى لا يكفي للاستعداد لتجهيز البيت والزفاف .


فلقد كانت لدى أمي وخالتي رغبة مُلحة في صنع ملحمة في الزفاف أشبه بألف ليلة وليلة؛  فخالتي اختارت فندق فخم وختمتها أمي باقتراح فستان من أحد بيوت الأزياء الفخمة وكأنها مزايدة وأنا عن نفسي أقنع بالبساطة وعدم التكلف.

ألا أن رغبة أمي في الفرح المبالغ فيه متعللة بكوني (أول فرحتها) جعلني أرضخ لمطالبها دون مناقشة أو مجادلة. 

أرادت خالتي شقة فخمة واسعة وأمام كل تلك التطلعات لم أجد بُدًا من السفر لتحقيق مطالب الأم والخالة وصدقًا لن يستطيع مهندس بسيط أن يُلبي كل تلك المطالب فهي تستلزم مصباح علاء الدين أو كنز (علي بابا).



قصة من هنا بدأت الحكاية وحياة الغربة 

كانت الغربة في بدايتها قاسية باردة لم يكن يهون شدة وطئها سوى اتصالي بأمي وميار فلقد كان ذلك أشبه ما يكون إلى النسمات الباردة في اليوم القائظ الحرارة. 

ما جعلني أعشق المكان وأفكر في البقاء هنا هو قربي من الحرم المكي، فأول نظرة لي إلى البيت الحرام وقعت في عشقه وأحسست برابط روحي يربطني بالمكان كنت أتابع العمرة تلو الأخرى وكأني أغسل روحي وأعيد بناء نفسي التي أثقلتُها بهموم وتبعات الدنيا.


كان أجمل رمضان على منذ ولدت فقد كنت أفطر في البيت الحرام وأصلي القيام ولا أفارق المسجد سوى وقت السحر. لكم رغبت بأن أبقى هنا طوال عمري وخاصة بعد أن قدمت أمي وأبي للعمرة وقضينا العيد، لكم رغبت في ان يكون ماجد معنا ولكن حسبي أنه في يد أمينة. 

فماجد صورة مصغرة من عمي توفيق ويطابق أحدهما الأخر ويشعران بالانسجام سويًا فوحده عم توفيق يملك الفكاهة وطول البال وسيصبر على تصرفات ماجد وحبه الدفين لبعثرة الأغراض هنا وهناك. 

بعد سفر أمي وأبي انتقلت لموقع آخر كنا في بداية المشروع وكنت بالكاد أحظى بوقت للراحة.


قصة من هنا بدأت الحكاية وللحديث بقية..             

1 تعليقات

رأيك يهمنا

أحدث أقدم