الشفقة بالذات Self - Compassion مكوناتها وتقدير ورثاء الذات ونصائح لممارستها


الشفقة بالذات مكوناتها وتقديرها
الشفقة بالذات علم النفس 


الشفقة بالذات Self - Compassion  مكوناتها وتقدير ورثاء الذات

الشفقة بالذات تعود جذور مفهومها إلى الفلسفة الشرقية والتعاليم البوذية منذ ما يقرب من 2500 عاما والتي تقترح أن الشفقة تعني (التوجه نحو الذات أو الآخرين). 

هذا التوجه ينطوي على إحساس الفرد بتجربة المعاناة مع الرغبة فى التخفيف منها بدلًا من إنكارها أو التحول بعيدًا عنها مع الاعتراف بأن الإخفاقات والمآسي هي جزء من التجارب الإنسانية. 

 الشفقة بالذات وتعرف بأنها قدرة الفرد على تحمل مشاعر المعاناة بدفء وحب واهتمام، كما تعرف بأنها الوعي اليقظ 

الذي ينطوي على معاملة النفس بلطف وتفهم أثناء الأوقات العصيبة عن طريق إدراك الفرد أن هذه التجارب المؤلمة شائعة بين جميع البشر .

الشفقة بالذات و مكوناتها

تذكر نيف Neff أن الشفقة بالذات تتكون من ثلاثة عناصر أو مكونات تتفاعل مع بعضها لخلق إطار عاطفي تجاه الذات .

1_اللطف بالذات مقابل الحكم على الذات (الذاتي النقد)
       Self-kindness versus Self –Judgment

ويعني فهم الفرد لذاته بدلًا من إصدار أحكام قاسية عليها في حالات القصور وتقديم الدفء العاطفي والقبول غير المشروط .

كما أنه يحتوي على نشاط مهدئ مريح للنفس فى أوقات المحن كما يتضمن أن يكون الفرد لطيفا ومتفاهما تجاه ذاته عندما يعاني أو يفشل أو يشعر بالنقص بدلًا من تجاهل ألمه أو جلد نفسه بالنقد الذاتي.

فالأشخاص المتعاطفون مع ذواتهم يدركون أن النقص والفشل والمرور بصعوبات الحياة هو أمر حتمي , لذلك يكونون لطفاء مع أنفسهم عند مواجهة التجارب المؤلمة بدلًا من الشعور بالغضب عندما لا ترقى الحياة لما هو مخطط له . 

فالفرد دائمًا لا يحصل على ما يريد ولا يمكن دائمًا أن يكون كما يريد . 

وعندما يذكر هذه الحقيقة أو يقاومها تزيد المعاناة في شكل إجهاد أو توتر وإحباط ونقد للذات وعندما يتقبل تلك الحقيقة بتعاطف ولطف يحصل على اتزان عاطفي أفضل .

اقرأ أيضًا :"إضطرابات الهلع  panic disorder نوبة مفاجأة معدل انتشاره وأعراضه و أسبابه وعلاجه". 

2- الإنسانية العامة (المشتركة) مقابل العزلة Common Humanity Versus Isolation

 وتعني إدراك الفرد لخبراته كجزء من الخبرات الإنسانية الكبرى بدلا من رؤيتها على أنها منفصلة ،فالفرد ليس وحده الذي يعاني أو يشعر بالقصور والنقص ولكن يوجد غيره الكثيرون .

فالإنسانية المشتركة تسعى لجعل الفرد أقل عزلة عندما يكون فى موقف الألم وتجعله يعترف بأن جميع البشر يفشلون ويخطئون .

وترى Neff أن تركيز الفرد على أوجه القصور لديه هو نوع من التشويه الذاتي الذي يجعل الفرد كمن يسير فى نفق مظلم لا يرى فيه شيء غير معاناته مما يجعل من معاناته هي الأسوأ. 

كما تذكر أن من بين الأمور التى تجعل الفرد يشعر بالعزلة أو بأنه معزول عن الآخرين هي الحكم القاسي على الذات 

عندما يلاحظ فى نفسه شيئا لا يحبه أو عندما يقارن أموره الحياتية بالأمور الحياتية للآخرين ويرى أمورهم الحياتية أسهل بكثير ولا يوجد بها عوائق أو صعوبات، لذا ينظر إلى حياته بأنها غير طبيعية وغير عادلة . 

أو عندما يعمد إلى تفسير تجاربه من وجهة نظره المنفصلة عن وجهة نظر الآخرين ويجد صعوبة فى تذكر تجارب وخبرات مماثلة لمثله من البشر لكن التعاطف يجعله يعترف

بأن تحديات الحياة والفشل الشخصي هو جزء لا يتجزأ من الطبيعة البشرية ويتشارك فيها البشر مما يجعله أقل شعورا بالعزلة عندما يشعر بالألم .

3- اليقظة العقلية مقابل الإفراط في الهوية أو التحديد 
Mindfulness Versus Over – Identification               

وتعني اليقظة العقلية قدرة الفرد على تحمل الخبرة المؤلمة من منظور إدراكي متزن بدلًا من المعاناة بصورة مبالغ فيها .

والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا كانت اليقظة العقلية عنصرًا أساسيًا من عناصر الشفقة بالذات؟ 

وللإجابة على هذا السؤال تذكر نيف أن الشفقة بالذات تستوجب أيضا تبني منهج متوازن تجاه مشاعر وأفكار الفرد السلبية بحيث لا يعمل على كبتها أو قمعها أو المبالغة فيها 

وهذا الموقف المتوازن ينبع من مبدأ ربط تجارب الفرد الشخصية بتجارب الآخرين وأيضا بتجارب الآخرين الذين يعانون. 

وبالتالي التخفيف من وقع تجاربه الخاصة ورؤية وضعه الحالي من منظور أكبر وينبع أيضا من الرغبة في مراقبة الفرد لأفكاره ومشاعره السلبية بانفتاح ووضوح حتى تبقى 

في إدراكه الواعي وإذا كانت اليقظة العقلية هي قبول الفرد لأفكاره ومشاعره كما هي دون حكم أو سعي إلى إنكارها أو تجاهلها فلا يمكن للفرد أن يتجاهل ألمه ويتعاطف معه في نفس الوقت. 

لذا فإن اليقظة العقلية تتطلب ألا يتمادى الفرد مع أفكاره ومشاعره بحيث يعلق وينجرف مع ردود الأفعال السلبية.  

الشفقة بالذات تفاعل مكوناتها 

والعناصر المكونة للشفقة بالذات ليست منفصلة عن بعضها البعض ولكنها متداخلة ومتفاعلة مع بعضها البعض فعلى سبيل المثال تساعد اليقظة العقلية على تقليل الحكم الذاتي

وتوفر البصيرة اللازمة للفرد للاعتراف بالإنسانية المشتركة (العامة) وبالمثل فإن اللطف بالذات يقلل من تأثير التجارب العاطفية السلبية .

مما يجعل الفرد يدرك أن المعاناة هي قاسم مشترك بين جميع الناس كما تعمل على التقليل من درجة اللوم الذاتي وفى الوقت نفسه تساعد على إخماد عملية الإفراط فى اللوم. 

الفرق بين الشفقة بالذات وكل من اليقظة العقلية وتقدير الذات ورثاء الذات 

الشفقة بالذات واليقظة العقلية :

تختلف الشفقة بالذات عن اليقظة العقلية من حيث الآتى : 

تركز اليقظة العقلية على الوعى اللحظي الآني والاستجابة لأفكار الفرد ومشاعره دون تقييم أو حكم أما الشفقة بالذات فهي تركز على الإجراءات التي يستخدمها الفرد لمواجهة معاناته.

 تنطوي اليقظة العقلية على جلب الانتباه الواعي إلى اللحظة الحالية سواء أكانت ( فرح ، سعادة ، حزن ، أو مشاعر محايدة ) أما الشفقة بالذات فتركز بشكل ضيق على معاناة وآلام الفرد .

  تشجع ممارسة اليقظة العقلية الفرد على أن يشعر بالألم جنبا إلى جنب مع المشاعر الأخرى بما فى ذلك الغضب والفرح في حين أن الشفقة لا تعالج الألم فحسب بل تجعل المرء يعترف بأن هذا الألم هو جزء من التجربة الإنسانية .

الشفقة بالذات وتقدير الذات :

قد يبدو للكثير من الناس أن الشفقة بالذات متشابهة مع تقدير الذات إلا أنها تختلف عن تقدير الذات. فتقدير الذات يشير إلى إحساس الفرد بقيمة ذاته أو القيمة المتصورة 

وتعكس كذلك مقدار حبه لذاته وهناك إشكالية تشير إلى أن انخفاض تقدير الذات لدى الفرد غالبا ما يؤدي إلى الاكتئاب وعدم وجود الحافز . 

كما أن سعى الفرد للحصول على تقدير مرتفع لذاته يعد هو الآخر مشكلة وخاصة في الثقافة الغربية والتي ترى أن تقدير الفرد لذاته يعتمد على مدى اختلافه عن الآخرين ومدى ما يتمتع به من مميزات خاصة.

لذا فإن ارتفاع مستوى تقدير الفرد لذاته بشكل مبالغ فيه يؤدي إلى النرجسية أو يقود الفرد إلى وضع الآخرين فى 

مكانة أدنى منه لأجل أن يكون الأفضل ، وقد يؤدي ارتفاع مستوى تقدير الفرد لذاته بشكل مبالغ فيه إلى الغضب والعدوان تجاه الذين يحاولون فعل شيء قد يترتب عليه أن يشعر بالسوء .

وقد يؤدي سعى الفرد إلى تقدير ذاته إلى تجاهل أوجه القصور الشخصية أو تشويهها أو إخفائها حتى لا يستطيع الفرد أن يرى نفسه بوضوح ودقة .

 وأخيرا يتوقف تقدير الفرد لذاته على مقدار ما حققه من نجاح أو إخفاق ؛ لذا فإن تقدير الفرد لذاته يتغير تبعا للظروف المتقلبة باستمرار. 

الشفقة ورثاء الذات بحسب علم النفس
رثاء الذات 

الشفقة بالذات ورثاء الذات 

ويختلف رثاء الذات عن الشفقة بالذات فرثاء الذات Self – Pity يشير إلى لوم الذات والقسوة عليها ؛ لذا فعندما يشعر الأفراد بالرثاء يصبحون منغمسين فى مشاكلهم الخاصة 

وينسون أن الآخرين لديهم مشاكل مماثلة ويتجاهلون الترابط مع الآخرين والتصرف كما لو كانوا هم الوحيدين في العالم الذين يعانون . 

فرثاء الذات يؤكد على مشاعر الانفصال عن الآخرين والعيش في أحلام المعاناة الشخصية، بينما الشفقة بالذات تسمح للفرد أن يرى تجارب الآخرين وتجاربه دون تشويه أو

انفصال عندها يشعر الفرد بارتباط قوى معهم، ويكون على وعي بمعاناتهم والتي هي من وجهة نظره جزء من معاناة كل فرد من الأفراد وتجربة إنسانية مشتركة. 

وترى نيف أن رثاء الذات يجعل الفرد يميل إلى المبالغة في حجم المعاناة الشخصية ويطلق على هذه العملية الإفراط في الهوية بحيث يصبح المرء مغموسًا جدًا في أحداثه 

الشخصية وردود الفعل العاطفية ويكون من الصعب عليه أن يرى الأمور بموضوعية. 

بينما تتطلب الشفقة بالذات مشاركة الفرد في نشاط ما وراء المعرفة والذي يسمح له بالاعتراف بالخبرات ذات الصلة بالذات والآخرين وبالتالي تقلل من التمركز حول الذات مع 

زيادة مشاعر الترابط ويميل الفرد إلى رؤية الخبرات الشخصية من منظور أكثر وضوحا ؛ لذا فإن مدى معاناته تكون أكثر وضوحًا .

الشفقة بالذات نصائح لممارستها 

غالبًا ما يكون التعاطف مع الذات طريقة جديدة جذريًا للتواصل مع أنفسنا وتظهر الأبحاث أنه كلما مارسنا اللطف والرحمة مع أنفسنا، إما باستخدام الممارسات غير الرسمية 

مثل استراحة التعاطف مع الذات، أو ممارسات التأمل الرسمية مثل التنفس الحنون - كلما زاد عدد عادة التعاطف مع الذات.

هناك بعض النصائح لممارسة التعاطف مع الذات والتي من المهم وضعها في الاعتبار بالنسبة للممارسين المبتدئين وذوي الخبرة على حدٍ سواء. 

التعاطف مع الذات هو ممارسة حسن النية، وليس المشاعر الطيبة. بمعنى آخر، على الرغم من أن الموقف الودي والداعم للتعاطف مع الذات يهدف إلى تخفيف المعاناة، إلا أننا لا نستطيع دائمًا التحكم بالطريقة التي تسير بها الأمور. 

إذا استخدمنا ممارسة التعاطف مع الذات لمحاولة التخلص من آلامنا عن طريق قمعها أو محاربتها، فمن المرجح أن تزداد الأمور سوءً فمن خلال التعاطف مع الذات، نقبل 

بانتباه أن اللحظة مؤلمة، ونتقبل أنفسنا بلطف ورعاية في الاستجابة، ونتذكر أن النقص هو جزء من التجربة الإنسانية المشتركة. 

وهذا يسمح لنا أن نحافظ على حبنا وتواصلنا، ونمنح أنفسنا الدعم والراحة اللازمين لتحمل الألم، يجد بعض الناس أنه عندما يمارسون التعاطف مع الذات، فإن آلامهم تزداد في البداية.

 نحن نطلق على هذه الظاهرة اسم backdraft، وهو مصطلح يستخدم لمكافحة الحرائق ويصف ما يحدث عندما يتم فتح باب في منزل محترق، حيث يدخل 

الأكسجين ويندفع اللهب للخارج و يحدث معنا عملية مماثلة عندما نفتح باب قلوبنا - يدخل الحب ويخرج الألم القديم. 

هناك بعض الأقوال التي تصف هذه العملية: "عندما نمنح أنفسنا حبًا غير مشروط، نكتشف الظروف التي لم نكن محبوبين فيها. 

ولحسن الحظ، يمكننا أن نواجه الألم القديم بموارد اليقظة الذهنية والرحمة الذاتية وسيبدأ القلب بالشفاء بشكل طبيعي. ومع ذلك، فهذا يعني أنه يتعين علينا أن نسمح لأنفسنا بأن نكون بطيئين في التعلم عندما يتعلق الأمر بممارسة التعاطف مع الذات. 

اقرا مقال عن التفكير الزائد بحسب علم النفس 

وإذا شعرنا يومًا ما بأن المشاعر الصعبة تغمرنا، قد تكون الاستجابة الأكثر تعاطفاً مع الذات هي التراجع مؤقتًا - التركيز على التنفس، أو الإحساس بباطن أقدامنا على الأرض، أو الانخراط في أعمال سلوكية عادية للعناية 

بالذات مثل تناول كوب من الشاي أو مداعبة الحيوانات الأليفة ومن خلال القيام بذلك، فإننا نعزز عادة التعاطف مع الذات – أي إعطاء أنفسنا ما نحتاج إليه في هذه اللحظة – وزرع البذور التي ستزدهر وتنمو في النهاية.  

( عزيزي – عزيزتي حب(ي) ذاتك واشفق(ي) بها وامنحها نفس الحب والاهتمام اللطف والرعاية التي نقدمها لصديق عزيز عليك(ي) ).

 

بقلم الأنامل المصرية :

 "د. فاطمة خشبة"

1 تعليقات

رأيك يهمنا

أحدث أقدم