في زمن الوباء |
قصة حدث في زمن الوباء
قصة حدث في زمن الوباء، ذات نهار قادتني قدماي لمنزل صديقتي بعد إلحاحها مراراً وتكراراً علي لكي أزورها، لأنها افتقدتني وتشعر بالوحدة، إذ أنها حبيسة في الجبس عقب كسر ساقها وضاقت ذرعا بالبيت وما عادت تطيق الجلوس بمفردها.
إذ أن أبويها على سفر، قبلت دعوتها بترحاب وأطلقت ساقاي للريح، فبرفقتها أنسى هموم الدنيا.
قصة حدث في زمن الوباء والوقت الجميل مع صديقتي
تبادلنا الضحكات والقصص عن الهوس الذي أصاب الناس وهذه المقاطع المصورة التي أصابت الفتيات بالجنون وصرن يفعلن ما يندى له الجبين لأجل الشهرة وربح المال.
أخرجنا كالعادة ما كان يجول في صدورنا من نقد لاذع لذلك الحظر الذي فرضوه وخاصة في وقت الليل. قالت لي ساخرة: "أصل الكورونا بتمشي بالليل".
ما جعلني أنسى مرور الوقت هو الروائح العفوية المميزة التي افتقدتها؛ فلقد اعتادت أنفي رغما عنها على روائح المطهرات والكلور.
لم نكترث حقا لدعاوى التباعد التي هاجمتنا في كل وقت، تبادلنا كعادتنا الوصفات والنصائح وعلمتني طريقة صنع الكيك الرخامي تظاهرت بالإنصات وشاركتها في المقابل سر صينية الرقاق باللحم.
لم أنتبه حقيقة لمرور الوقت فرائحة القهوة المميزة ووحدات البتي فور اللذيذة وحديثها الذي اشتقت إليه وإصرارها الطفولي على عدم المغادرة كلما هممت بالخروج دفعني لأمكث طويلا إلى أن حل المساء، فافترقنا على مضض وما الضرر إذن فالنهاية الحتمية للقاء هي الافتراق .
نبهتني وأنا أنزل الدرج أن أبتعد قدر الإمكان عن الطرق الرئيسية، لأتجنب دوريات الشرطة وقالت: "ابعدي عن السكة العمومي".
قلت لنفسي لابأس وهي فرصة للتجول واكتشاف شوارع جديدة، وكما يقول المثل كل الطرق تؤدي إلى روما..
فلا بأس بالتمتع بالسير في الطرقات الخاوية فأنا أعشق تفحص البيوت وأتخيل القصص التي ترويها الجدران، وأعتقد أن هذه هي الفرصة المناسبة فلا ضرر من إبطاء الخطى فقد لا تتسنى تلك الفرصة مرة أخرى.
قصة حدث في زمن الوباء والمفاجئة الغير متوقعة
ما زاد شغفي هي تلك النسمات النظيفة الباردة التي هبت مع اختفاء أشعة الشمس وحلول المساء.
لم يقطع ذلك الصمت الجميل سوى وقع الأقدام التي كانت تسير بسرعة ملحوظة خلفي وكأنها تستحث الخطى للحاق بي.
أيعقل أن تكون صديقتي نسيت شيئاً وجاءت خلفي؟!
وأجاب عقلي بسرعة شديدة كيف وهي لا تزال في الجبس وبالكاد كانت تتحرك في الغرفة حتى أنها عانت لتفتح لي باب شقتها، ولو هناك خطب لبادرت بالاتصال.
من الجائز أن والدتها عادت من السفر وعندما علمت بقدومي أرادت أن أوصل رسالة منها لوالدتي، من السخيف حقاً أن تكون صديقة أمك المقربة هي أيضاً والدة صديقتك المقربة، ولكن لا اعتقد ذلك فهي لن تترك ابنتها إذا عادت من أجل إلقاء تحية عابرة.
هي وأمي دائما لا يشغلهم غير موضوع واحد وهو متى تنتهي الكورونا ليذهبا للعمرة، فلتستغفرا الله في بيتيكما و أتركا التفكير في العمرة إلى حين ميسرة.
لا أعتقد أنها هي ..
قصة حدث في زمن الوباء وصديقة أمي
لابأس إذاُ من اختلاس النظر لأكتشف من يمشي خلفي، عندما التفت وجدت سيدة كبيرة في السن ولكن ليست بطاعنة، حقيقة يعجز عقلي عن تحديد أعمار النساء فكل امرأة لا تحب أن تفصح عن عمرها فاعتاد عقلي على عدم البحث .
اقتربت مني مبتسمة ابتسامة شاحبة وكأنها تعرفني وقالت :"بتعملي إيه هنا يا علياء؟"
اندهشت بشكل ملحوظ وأخذت استحث ذاكرتي أن تبحث في ملفاتها عن تطابق لتلك السيدة وكانت النتيجة سلبية بكل المقاييس.
لاحظت اندهاشي فأردفت:" مش عارفاني ولا إيه؟ ليكي حق ما أنتي مشفتنيش من زمان، أصلي كنت في السويس ونقلت شغلي علشان عمك عبدالرحمن، بس أنا أعرفك من أيام ما كنتي كتكوتة صغيرة.. "
لم يستطع عقلي الصغير تفهم الموقف غير أني أدركت أنها من أصحاب أمي ثم أنها أخبرتني بتفاصيل لا يعرفها سوى عائلتنا وصويحبات أمي المقربين، فما الضرر من أستأنس بها خاصة وأني قبل لقاءها دخلت العديد من الشوارع تجنبا لصوت دورية الشرطة.
لم أعتد الدخول لتلك الشوارع الضيقة وكأني غريبة تماما، ولكن لا بأس فخط السكة الحديدي يقسم بلدتنا إلى نصفين فإذا عبرته أستطيع تدبر طريقي بمفردي.
سألتني عن أحوال أمي و الدراسة و تبادلنا الحوار حتى لاح خط السكة الحديدية فأشارت إلى منزل يقبع في الحقول منفرداً وقالت: "شكرا يا لوليتا، مش عارفة من غيرك كنت هعمل إيه ".
احتساء كوب الشاي |
قصة حدث في زمن الوباء و البيت الغريب
أقسمت أن أتوجه معها لمنزلها لاحتساء كوباً من الشاي، حقيقة لا أحب الشاي ولا أفضل شربه مع غريبة قابلتها تواً في الطريق.
وقالت: "عاوزة ممتك تقول عليا بخيلة وتوصليني وحتى معزمش عليك بكباية مية ميصحش ابداً.."
لم يكن ينير الطريق سوى ضوء خافت أتى من بعيد ونظرت لأرى المنزل فإذا به أشبه ما يكون للبيوت القديمة المألوفة، كان الباب مفتوحاً فدخلنا لم أشأ تفحص المنزل فالإضاءة خافتة وليس لي أن أطلب منها فتح المصابيح فقد تكون تلك عادتها.
جلست في الصالة الرئيسية على كنبة بجوارها منضدة ورأيت في آخر الرواق المطل على الصالة غرفة، كان باب الغرفة غير موصد ،لهذا استطعت أن أرى رجل يقرأ الجريدة أو كتاب لا أدري فالضوء خافت، وأنى له أن يقرأ في هذا الظلام ولكن لا بأس فهو لم يلحظ وجودي البتة، لابد من أنه زوجها عبدالرحمن الذي تحدثت عنه منذ قليل.
مر الوقت ثقيلا بطيئا وأعتقد أنها استغرقت وقتا طويلا لتعد كوب من الشاي لم أسمع سوى تلك الجلبة التي تصدر من المطبخ وكأنها تعد وليمة لا كوباً بسيطاً من الشاي.
ها قد مر الوقت وهممت أكثر من مرة بالانصراف غير أني قلت أنه لا يصح أن أتركها تعد الشاي ثم تخرج ولا تجدني، ها قد أتت أخيرا تحمل صينية الشاي في يدها ابتسمت لها على مضض فوضعت الصينية أمامي وظلت صامتة.
نظرت للصينية فإذا بكوب فارغ مقلوب ولا يوجد أثر لأي سائل، بصعوبة كبت الكلمات من فمي، وأخذ عقلي يخبرني أنها ربما مريضة أو تعاني من خطب ما.
دار شجار بيني وبين عقلي غير أن عقلي انتصر في النهاية وظللت صامتة. استأذنت لتحضر السكر من المطبخ ولكن أين ستضع السكر والكوب مقلوب وفارغ وما يغيظني هو زوجها عم عبدالرحمن القابع في الغرفة ويقلب الصفحات باهتمام.
لم أستطع إكمال تلك المهزلة وهممت على الفور بالانصراف. قادتني قدماي إلى باب المنزل ثم إلى الطريق مرة أخرى، ولا أعرف لم ألتفت ناحية المنزل وعبثاً حاولت أن أراه ولمن لم يكن هناك سوى الظلام.
قصة حدث في زمن الوباء والحقيقة المخيفة
تابعت الخطى نحو منزلي وكلما اقتربت زاد شعور الأمان والطمأنينة بداخلي. وصلت إلى المنزل فإذا بأمي قد استبد بها الخوف والقلق لتأخري. طمأنتها بأن الحديث مع دعاء أخذنا فلم أنتبه حقيقة لمرور الوقت، أردفت أنها حاولت مراراً الاتصال بي غير أن هاتفي كان مغلقاً.
نبهتني أن أغسل يدي وأعد السلطة وعند جلوسنا لطاولة الطعام سردت علي تزايد أعداد المصابين وأحسست بالخوف من نبرة صوتها وطمأنتها بأن أعداد الإصابات منخفض جدا مقارنة بالدول الغربية.
عندما هممت أنا وهي برفع الأطباق بادرتها بسؤال وحاولت قدر الإمكان أن أكون عفوية وأن أتصنع عدم المبالاة فقلت: هل تذكرين صديقتك صباح محمود من قسم التطوير؟
اندهشت بشكل لم أره على ملامحها مطلقا، وتسألت: "ليه بتسألي عنها ليه؟"
أجبت:"أبدا جات في بالي."
فردت :"تيجي في بالك إزاي وأنت عمرك ما شوفتيها دي توفت هي وجوزها في حريقة قبل ما تنولدي بشهور".
لم أستطع الإجابة مطلقا وقلت لها :"هو بيتها كان فين؟"
اجابت بيتها كان في الغيطان ولحد دلوقتي مهجور علشان في خلافات مع الورثة بتسألي ليه؟".
انقر هنا لقراءة قصة ذات يوم كنت أنا وأنت
فقلت :"لا أبدا شفت صورتها في ألبوم طنط ناهد وأنا عند دعاء."
حقيقة لم أستطع أخبار أمي بما حدث وهل كثرة استنشاق المطهرات أصابت عقلي بهلوسة مؤقتة جعلتني أتصور وجود أشخاص والحديث معهم.
لا أدري غير أني عندما نظرت من النافذة وجدت الخالة صباح تقف أمام شارعنا من بعيد.
قصة حدث في زمن الوباء.. تمت.
دمتم بكل ود..
انقر هنا لتقرأ أيضاً هرارة رواية هرارة الرماد
بقلم الأنامل المصرية:
"أسماء خشبة"
احب قصصك ❤️
ردحذف👍👍
ردحذف