حياة بعد غياب الموت |
قصة حياة بعد غياب الموت
تصحو نورة في السادسة فجرًا على أصوات مرتفعة.
الأب : لايمكن أن أسمح لك بالعبور لبوابة الموت .. غسيل الكلى لن يكون.
الأخ الأكبر : الفحوصات الطبية مهمة للغاية وبعدها يقرر الطبيب إذا كانت تحتاج علاج أم غسيل كلى.
الأخت الوسطى : أهم شيء تعود أمي لعافيتها.
يعلو الصياح ويحتدم النقاش ، ثم يهتدون جميعًا لأخذ الأم للمستشفى، يتصل الخال بسائق السيارة التي تنقل الجميع في الحي ، الكل يتجهز ..
بسمة في الرابعة من عمرها منشغلة وليست آبهة بعالم الكبار تأكل حبات العنب وتحاول عدها لكنها تلتفت وأمها تلبس عباءة الخروج بسمة لم تكترث وربما انتبهت لكنها كتمت إحساسها.
تأتي سيارة الإسعاف يذهب الأخ الأكبر والخال ، يمتنع الأب عن مصاحبتهم ، يغلق السائق السيارة ويوارب زجاجها كي
ينعشهم الهواء العليل في الصباح الباكر ، وبعد مسير ساعتين ، لوحة كبيرة تشير لمستشفى ، تقف السيارة ويفتح الأخ الأكبر ويمسك بكتف أمه ، تمسك الأم بيد ابنها وتتكئ
عليه ، يصلون إلى القسم الذي يتواجد فيه دكتور الكلى ، بعد المُعاينة وكتابة الفحوصات اللازمة يتجهون للمختبر .
في اليوم التالي بعد النظر بالتحاليل والفحوصات الطبية ، يقرر الدكتور غسيل كلى للأم ، الأخ الأكبر يصاب بالهلع ،
تدور في رأسه عبارة أبيه " بوابة الموت " يصاب بالدوار المفاجئ ، يهمس الخال بأذنه : كن قويًا أمك بحاجتك وبحاجة لجرع من الأمل والقوة ، يعود سريعًا يرقب أمه
بنظراته وتحيطه بحنانها كأنها تخبره : "أنا بخير لاتقلق أنا جنتك ، شمسك التي لاتغيب وإن مرت سحابة سوداء وأظلم كونك أنا لك نور".
قصة حياة بعد غياب الموت والذهاب للمستشفى
يوم الأحد موعد الذهاب للمستشفى، قبل الظهيرة تنتهي أولى جلسات غسيل الكلى التي استمرت ساعتين ونصف ، تعود الأم متعبة..
وتستمر سنة في غسيل الكلى ثم يشتد المرض ويقرر الدكتور للأم رقود وذلك لأنها وصلت لمرحلة متقدمة من المرض (فشل كلوي) تصارع الأم المرض عامين لكنها إرادة الله في تطهيرها ولعله ابتلاء ..
رحلة في الانتقال من مستشفى لآخر على أمل استعادة العافية أو من يطمئن المريضة بأن الشفاء آت ، يشتد ألمها أكثر ، تتوجع تارة وتصبر تارة ، أمل بالشفاء والعودة للحياة ، لكن صحتها لاتنطق بذلك ..
توقف الاجهزة |
قصة حياة بعد غياب الموت و توقف الاجهزة
قبل ظهر الأربعاء تتوقف الأجهزة، يستقيم الخط ..
يهرع الأطباء لإنعاشها ، يتمسك الجميع بها ويلتف حولها دون أي جدوى فقد فارقت الحياة ماعاد قلبها ينبض ، ماتت
نور كون الأبناء ، وشمس سماء الحياة ، ماتت تلك التي كان الله يُكرم أولادها لأجلها ، يصل نبأ موتها لأبنائها كالصاعقة، ويشل الأب عن الحركة فور معرفته بنبأ وفاة حليلته ..
يعود الأب الى المنزل قبل وصول الجنازة ليواسي صغاره وفي داخله ألم يكاد يخنقه ويحاول إخفاء الدمع ويظهر الحزن في وجهه وينظر في أعين ابنتيه وقد غرقا دموعا ،
ينظر في عين الصغرى "بسمة" وفي عينيها أمل أن أمها ربما تعود بخير وعافية وتتمتم بأدعية : " يارب تعود أمي بخير، يارب الخبر الذي وصلنا يكون شائعة "..
يبكي الجميع بحرقة، يصبرون بعضهم وما منهم من يقوى على الوقوف مِما أصابهم ..
بعد أربع ساعات، تجمع عدد كبير حول المنزل ، قرآن في مكبرات الصوت في جامع الحي: " كل مَن عليها فان " ،
بكاء مرير ، الأخت الكبرى تفقد الوعي حينما رأت نعش أمها ، تبكي بسمة بصوت عال وتفقد وعيها هي الأخرى ، تستفيق كل واحدة على حقيقة انطفاء شمعة الحياة..
الأخت الكبرى تتساءل في نفسها :" كيف أعيش دون أمي ؟ سأموت بعدها فلن تطيب لي دنيا؟!"
تسرع بالإجابة : " أعيش دون نعيم وجنة، كلوحة دون ألوان ، كورد ذابل".
اقرأ أيضا "قصة مشنقة شرف" قصص قصيرة.
بعد 16 سنة كبرت "بسمة" على قدر كبير من الدلال والعطف والحياة الجميلة ، تذهب في وسط غامض وجو غائم وممطر إلى المستشفى وتعلم بوجود أمها التي حُرمت منها كل هذه السنون ..
تنتظر بشوق متى يُفتح باب وراءه سعادة الحياة ونورها وبهجتها ، تسأل كل عامل في المستشفى : كم من الوقت يحتاجه دكتور والدتها ليخرج يطمئنهم؟
تنظر في كراسي الانتظار نصف الأهل على تلك الكراسي أما بسمة واقفة ، بعد انتظار يفتح الباب وينطق الدكتور بكلمات السعادة : " أمك بخير وعافية وتحسنت كثيرا
وحمدلله على سلامتها ، وبإمكانكم أن تذهبوا بها للمنزل فهي لاتشكو من ألم " تحتضن بسمة أمها بشدة وبسعادة
ولم تركز في تفاصيل وجه أمها ، شغلها الشاغل كان تساؤلها : أين أنا من أمي وأين أمي مني ؟ لمَ أنا بهذه القسوة؟ ماهُديت لزيارة أمي طيلة هذه السنوات ؟!
كلها ندم لأنها ما بادرت لزيارة أمها ، وفرح وسعادة تغطي ذلك الندم بعافية أمها، بسمة تقدمت للدكتور تشكره على
مانطق من كلمات وبشارة تمنت لو أن العناق حلال في شريعتها لتعبر عن فرحتها وامتنانها ، وبهذه الفرحة الغامرة التي لاتخطها الأقلام ولاتسعها الكلمات ..
تصحو بسمة على نغمة المنبه المزعج يوقظها ويخبرها باختبار مادة من مواد الجامعة وتستعد لتذاكر قبل الفجر بساعة ثم وقت الصلاة.
قصة حياة بعد غياب الموت وفرحة بسمة
عاشت بسمة شعورين ، شعور فرحة تكاد تطير وتغني كما الأطيار وشعور حزن لأن ماحصل لم يكن واقعًا بل كان حلمًا
بقيت في هول الصدمة اختلطت معها الحقيقة والأحلام كانت بطيئة الاستعياب ..
هل تحتفل بعودة بهجتها أم تحزن ؟ !
مااستفاقت من هول صدمتها .. احتضانها لامها ووجودها حولها لمَ لم يكن حقيقة ؟
ربما موتها كابوسا؟
كيف لطيف أمها أن يفارقها ؟!
تتوضأ بسمة للصلاة بعدما مرضت بصداع الأسئلة و تدعو الله أن يجمعها بحبيبة فؤادها بالجنة ، تسرد في نفسها على نفسها ما أعده الله للصابرين ، وتمطر على أمها بوابل من الدعوات فيطمئن قلبها.
بقلم الأنامل اليمنية :
"فاطمة اليوسفي"
الله يحفظ امهات الجميع .. السرد ممتع جدا
ردحذفاللهم آمين ♥ مرورك الأجمل
حذفرائعة
ردحذفرائعة
ردحذفجميلة جدااا بالتوفيق
ردحذفماشاءالله مبدعةةة ❤❤❤
ردحذفمؤثرة جدا
ردحذف👍👍👍
ردحذف