قصة جبروت إمرأة قصص قصيرة


قصة جبروت إمرأة قصص قصيرة
جبروت إمرأة 


قصة جبروت إمرأة

"نجية" أو كما إعتادت أمها أن تناديها " نجوبة" وحيدة أبويها وأكثر بنات البلدة تدليلا وثراء، وكيف لا وهي إبنة الحاج "عامر" صاحب العقارات والمحلات الكثيرة.

لم تكن "نجية" تكره سوى إسمها ، الذي أصر والدها أن يطلقه عليها إكراماً لذكرى والدته الراحلة فلقد رحلت قبل قدوم" نجية" بشهرين كاملين، ورغم الاموال التي تصدق بها على روحها إلا انه أصر على تسميتها "نجية". 

كانت "نجية" بليدة الذهن بطيئة التفكير على عكس اسمها ولعل هذا ما زاد من همها وبطء الفهم ليس بمعضلة ولا يعيب أحد أن لا يكون فطنا ؛ إنما فطنة العقول هبة ورزق 

من الرزاق لا تستدعي تفاخر ولا إشفاق فكلنا صنع الله  الخلاق، لكن نجوبة كانت بسبب اسمها موضع سخرية من المعلمين والطلاب وكأنها معيوبة، وبطء الفهم لم يكن آخر المطاف. 

إنما كان عيبها  الحقيقي هو غلظة الطبع و حدة اللسان وهو عيب يجب تداركه ليحي المرء في سلام.

قصة جبروت إمرأة وحسد الجيران 

ولم تكن زينب لتهتم بتقويم نجوبة فهي على يقين بأنها موهوبة ولأجل حدة ذكاءها فهي مرصودة ومن عيون الحاسدين مرغوبة، فإذا أصاب نجية برد أو زكام تهددت 

زينب الأقارب والجيران وأطلقت البخور في الأركان حتى تغادر عين الحسود المكان. 

ونجحت زينب في إبعاد عامر عن إخوته لكونها ذات مرة سمعت أنهم نصحوه أن ينزل على رغبتهم ويزوجوه، من وقتها وأعلنت زينب العداء وخططت لابعادهم عن عامر في دهاء.

فماذا ستفعل إذا تزوج عامر وحصلت الجديدة على الأموال والغنائم، لن يبق لها سوى الشقاء و ضيق الحال  وهي لن 

تسمح لأحد بأن يرجعها مرة أخرى لجموع الفقراء فهي وقتها ستفضل الموت على البقاء، لهذا أمعنت زينب في كيدها واستحوذت على عامر بمكرها.

 والحاج عامر في الحقيقة لم يفطن  لحيل زوجته الصفيقة، فجعلها  مستشارته اللصيقة  الصديقة، كان يستشيرها في كل صغيرة وكبيرة ولم يكن يناديها سوى بأم نجوبة الرقيقة.

كما إنه إمعانا في إسعادها وإرضاءا لسموها، أغدق عليها الذهب من رأسها لرجلها ولم يكن لنساء القرية شاغل سوى الحديث عن سعدها وكيف أن الحاج عامر قد اقتسم الثروة بينها وبين بنتها.

وكان الجميع يخشى بطش نجوبة فهي إن غضبت  واستشاط  غضبها فإن المغضوب عليه لا محالة إحدى أذنيه مفقودة.

وأصبح كل الأولاد والبنات كلما رأوها يتسمرون في ثبات، فليس هناك داع لمشاكلة نجية ولا الدخول في تفاصيل  حياتها و هي العنيدة الغبية .

وهكذا شبت نجية شديدة المراس لا تصغى لأحد ولا تكترث للناس، فهي المدللة التي تُلبى طلباتها ويمتثل الجميع صاغرين خوفا من غضبها.

اقرأ أيضًا :"قصة ومضى قطار العمر قصص قصيرة". 

وعندما وصلت لسن الزواج تزاحم مع كل تلك العيوب، الكثير من الخطاب،فثروة الحاج عامر أضحت حلما مطلوب 

ومرغوب ، لهذا فقد ضج الباب من كثرة قرع الخُطاب تتسابق على بابها شباب البلد والبلاد المجاورة، رغبة في الهرب من الفقر والعوز و العيش مثل والوجهاء وكبراء البلد.

أعزائي إن معشر الرجال حُبا في المال، قد يتغاضون عن  الوقاحة وطول اللسان، فما الضرر من الزواج بنجية والتمتع بكل تلك الثروة العتية، فالزواج مؤسسة للنكد فما المانع من كسب بعض المال بلا كبد.

قصة جبروت إمرأة وخطاب نجية 

غير أن نجية ردت خُطابها مدحورين فهي تعي وأمها أنهم طامعين ماكرين لا يحفلون لأمر  نجوبة  وكل ما يشغلهم 

ثروة الحاج عامر المرصودة ، وهكذا حال أغلب الرجال فهم لا يكترثون سوى لجمع المال.

غير أن أباها صارح زينب ذات ليلة برغبته أن يكون له أحفاد، رغبة منه أن يطمئن لمصير ثروته ويعلم أن كده 

وتعبه سيتمتع به من هم من دمه وخاصته وكره أن يشارك نجوبة في الميراث بقية أقاربه وتعيش نجية وأمها في كدٍ وإفلاس .

وأشار على زينب أن يزوج نجية بعلاء، فهو شاب حسن الخُلق ذا بهاء، فردت زينب في إشفاق ولم العجلة وقد تقدم من هم خير منه، فأطلعها أنه رأى من دينه وأخلاقه ما يجعله جديراً بأن يكون زوجاً لابنته.

وهنا قامت زينب بالدور المعهود وهو الزن على أُذني نجوب حتى تقبل وتوافق على هذا الزوج المنشود، واستراح عامر لأنه تيقن أنه اختار زوجاً قويا أمينا لابنته.

إلا أن نجية لم تكن لتتخلى عن صفاتها الاكيدة، لم تقبل بعلاء زوج ولم تزعن لنصيحة أباها معللة بأنه ليس بجذاب ولا وسيم.

وهذا ليس بعيب يا نجية فالمرء بأخلاقه لا بأوصافه الخارجية ثم إن علاء ليس دميما يا صبية ، بل هو بشهادة الجميع وسيم وإن كان في نظر نجية ماهو إلا بهيم ، ولكن 

إذا كانت رغبة نجوبة هو عدم الزواج من علاء، فلا بد من إحترام قرارها ورغبتها.

تأسف الأب لعدم قبول نجية بعلاء زوج وأشفق عليها من أن تقع ضحية لإختيار يكون بلية  فتلقى الشقاء والعناء جراء ما برأسها من غباء .

وكما توقع أبو نجوبة ما هي إلا وأشهر معدودة حتى جاء لنجوبة شاب وإن حسُن مظهره إلا أن كلامه قد فضح وضاعة أصله ورديء أخلاقه، غير أن نجية به تمسكت 

وأصرت على قبوله وتماوتت، فما كان بيد الحاج عامر من حيلة سوى الخضوع والاذعان لرغبات العليلة نجية حتى ولو كان موقنا أن هذه الزيجة لن تجلب لها سوى الشقاء والأذية .

قصة جبروت امرأة قصص قصيرة
قصة جبروت امرأة

وقامت نجوب بعلم أمها بتحويل الكثير من النقود إلى ذلك الوسيم المنشود؛ لكي يفي بمتطلبات الزواج ولا يكون فقره مصدرا ً للإزعاج.

ومن هنا أيقن هذا الخاطب الوضيع أن نجية كنزه المنشود وأنها السبيل لثراء غير معهود، فأسرع بالإلحاح لسرعة إتمام

الزواج خوفا من أن تضيع هذه الأموال و يمضي بقية حياته في تأسف وحيرة ويعود لحياة التشرد الفقيرة.

وبعد ما وقعت الفأس في الرأس تيقنت نجية أنها قد اختارت أحقر الرجال، فهو لا يعمل بأي حال ولا يطلب منها سوى الأموال. 

وتيقنت زينب من هذا لأن نجية صاحبة البسمة البهية لم تعد لسابق عهدها بل اعتلى الهم شبابها وخيم الحزن عليها لسوء اختيارها فندبت كل دقيقة حظها وتألمت لأنها جلبت الشقاء إلى جنبات حياتها. 

فالبعل الوسيم تبين بسرعة أنه عاطل بهيم ، كلما طلبت من الخروج للعمل تعلل بألف عذر وفضل الكسل .

وكيف ستستقيم الحياة لا بد من نقود لتغطية متطلباته الكثيرة ورغبته الدائمة في التباهي بما لا يملكه، حتى انه قام بضربها أكثر من مرة وأخبرها إن لم تحضر المزيد من النقود فهي حُرة.

ولكن نجية خوفا من شماتة القريب قبل البعيد آثرت السلامة والتمسك بهذا البغل العنيد، فهي لا تريد أن تكون أضحوكة البلدة الصغيرة وموضع سخرية لكل منتديات المصاطب و الحصيرة.

أما لو سمعت نصيحة أباك لكانت الحياة أفضل بكثير، ولكن لما العجب فبعض الفتيات المشاهير  يهوين عادة الاقتران بالحمير.

 أيقنت نجية أنها أخطأت في حق نفسها ثم حق أبيها وأمها وطالبت زوجها بالطلاق فما كان منه إلا أن سدد لها اللكمات و الضربات و جعلها تتألم وتطلق الصرخات والآهات .

ما زاد الأمر سوءاً أن زوجها قد تعرف بأصدقاء السوء وسلك طريق الانحدار ولم تعد نجية تطيق هذه العيشة في مرار.

خاصة أنها قد باعت كل مصاغها واضطرت للاقتراض من أمها، وعندما غادر زوجها البيت جلست حزينة تلوم نفسها على تلك الحالة التي قد آل إليها مصيرها. 

قصة جبروت إمرأة و ذكريات الايام الخوالي 

وتذكرت الأيام الخوالي أيام كانت شديدة البأس ولا تبالي.

وأيقنت أنه للخلاص من هذا الرجل الهلاس لابد من حيلة ليترك نجية ويعود لحياة الإفلاس،  لكن لابد من أن تكون 

هذه رغبته دون جبر أو إكراه لحضرته، فعزمت على مصارحة أمها والاستنجاد بها فهي شديدة المكر واسعة الحيلة.

واستمر هذا الإجتماع فترة طويلة وحضرته خادمة أمها فتحية، وقسمت زينب الأدوار وبالغت في التشديد على ضرورة الالتزام بتلك القواعد حتى يمر الأمر في سلام.

وقامت فتحية لتوها بشراء أشياء قد طلبتها زينب،ولم لا وقد وعدتها زينب إذا نجحت الحيلة في سلام ستغدق عليها ما ليس في الخاطر ولا الحسبان وقد تسعى أيضا لتزويجها من حبيب قلبها نعمان.

عادت نجية لبيتها وانتظرت قدوم فتحية لتتم تلك الحيلة الذكية وتتخلص من هذا اللص الذي قد أنفق كل ما تملك دون كلمة عرفان أو شكر، حمدت ربها أنها لم ترزق منه 

بأطفال وتألمت على الثلاث سنوات التي قد ضيعتها في صحبة هذا الكسلان.

وقامت بإغلاق كل النوافذ وأظلم المكان وتظاهرت بالنوم بجوار الكسلان، وعم صوت ضحك شديد هز أركان الغرفة بالتحديد واستيقظ زوجها في فزع ولكزها لتنهض وتبصر ما يراه غير أنها تظاهرت بالبلاهة وعدم المبالاة.

وأقسم زوجها بأغلظ الأيمان أنه رأى في الحجرة كائن ما كان وأنه كان يرتدي السواد ويكثر من الضحك في عناد.

وتكرر الأمر كثيرا وبلل زوجها الكثير من السراويل فقد كان يرتعد كلما رأى أو سمع صوت الدخيل.

وفي يوم خرجت نجية قاصدة لشراء بعض الأشياء، فظهر الكائن البغيض وطالب الزوج الوحيد بتطليق نجية على الفور لأنه من ملوك الجان ويعشق نجوبة. 

وإذا لم يطلقها فسيحوله إلى قرد أو ثعبان هنا تعالت الصراخات وإجتمع الجيران وكسروا باب الشقة لينجدوا 

هذا المستغيث فما كان منه إلا أن قال لقد كان معي للتو إبليس وأشهدكم أن نجي قد طلقتها طلقات ثلاث ولن أقوم بردها بأي حال من الأحوال وهم بجمع ملابسه وترك المنزل إلى غير رجعة.

قصة جبروت إمرأة فتحية و نجية 

اما فتحية فلقد كانت تحت الفراش مخفية وانتظرت حتى فرغ المكان وقامت بخلع السواد، وفي غضون أيام بعث ورقة الطلاق ففرحت الأسرة للخلاص من هذا الرجل البغيض.

وقامت زينب بتنفيذ وعدها وزوجت فتحية الشبح من حبيب قلبها نعمان وعمت الفرحة أرجاء المكان، لأن نجية تخلصت من زوجها الكسلان.

أما عن نجية نفسها  فقد تعلمت الدرس في حينها وهو  أن تستمع لأبيها وتنزل على رغبته وتحترم رجاحة عقله وفطنته .

وعندما تقدم لها بعد عدتها الخطاب تركت الأمر لوالديها ليفعلا الصواب.

وما زاد من هناء الأسرة أن زينب قد ظهر عليها أعراض الحمل وبعد تسع أشهر بالكمال أنجبت توأمين في غاية الجمال أحدهما حسن والآخر حسان.

اقرأ قصة بيننا حكاية لم تنتهي بعد 

ونجية جاد الزمان لها برجل كامل الأوصاف، عارف بدينه ويعاملها بكل ود وإنصاف،  كما أنه ليس من هؤلاء البغال الذين لا يرون في المرأة سوى خادمة أو  مربية للعيال

بل كان يعاملها كأميرة متوجة و يلين لها القول ويتلطف في الحديث ولا يكثر من الطلبات كما أنه راق الأصل وليس بخسيس، وهكذا عاش الجميع في سعادة وهناء إلى الأبد. 

دمتم بكل ود.. 

1 تعليقات

رأيك يهمنا

  1. القصة جميلة سردك لمجريات الأحداث بديع احسنت

    ردحذف
أحدث أقدم