رواية هرارة الرماد روايات رومانسية الجزء الخامس عشر رواية تعكس بعض العادات والتقاليد اليمنية القديمة المرتبطة ببعض المعتقدات.
رواية هرارة الرماد |
رواية هرارة الرماد الجزء الخامس عشر
وصلت العنقاء مدينة الحديدة وأخذت معاها مالكة هذه المرة وريحانة لترعاها وتخدمها. داء الظهر الذي لم يسمح
لها بالوقوف كما يقف البشر لعله من وزر ما حملت عليه من ظلم البشر ومن سوء ما قدمت من عمل يرد لها بأصوات العدالة جلداً على عاتقها.
وحال الوصول دار حوار بين العنقاء وابنتها:
- أمي، هذا البيت أجمل من بيوت القرية دعينا نعيش هنا.
- حسنا عندما يتعافى أبوك المجنون ويرتد له عقله أما الآن فنحن غير قادرين على دفع الأجرة شهرياً.
- ما هذه الأشياء التي رأيناها بالخارج تسير والناس بداخلها.
- اسمها سيارات.
- دعينا نشتري واحدة!
- عندما يموت أبوك المجنون سنبيع أرضه ونشتري واحدة، هل أنت مجنونة ؟ هل أصابك ما أصاب قبيلتك؟
هذه الأشياء ليست إلا للحاكم وأولاده وأفراد عائلته وكبار الأعيان.. ليست لأمثالنا يامجذوبة.
لم تقتنع مالكة ذات الستة أعوام بما تقوله أمها وسرحت بذهنها بعيداً ثم ركضت باتجاه النافذة وألقت نظرةََ على
البحر الكبير وأصوات أمواجه تصدر كأنها تبوح بأسرار الحياة بلغة حب أبدي وسلام أزلي. عادت إلى أمها وأخذت تسألها بعفوية وبراءة:
- هل هذه بركة الحاكم؟
ضحكت ريحانة وهي منشغلة في ترقيع ثوبها ولم تجرؤ على الحديث لكنها استلطفت سؤال اختها ذات الستة الأعوام. كانت ريحانة تحفظ من القران جزء عمّ.. وتكتب الحروف الهجائية..
وتجيد القراءة بشكل بسيط..ولديها معلومات كثيرة اكتسبتها من أبيها نصير. نهضت العنقاء غاضبة تتذمر من أسئلة مالكة واتجهت لتأخذ راحتها في الغرفة وأمرت ريحانة أن تعتني بأختها.
رواية هرارة الرماد وفأل مالكة
اتجهت مالكة و واحتضنت وجه اختها بكفيها الصغيرين وهمست:
- ستتزوجين الأمير يا ريحانة وسيصبح معك حمار حديدي كذلك الحمار الذي رأيناه خارجاً.
- صغيرتي من أنا حتى أتزوج ابن الحاكم !
تنهدت قليلاً ثم نظرت من النافذة باتجاه السماء، تراقب الغيوم وقطرات العرق تغسل الرماد لتكشف للحياة حمرة خديها وتباهي الشمس ببريق قرص وجهها.
وبينما كانت تراقب الناس يكدحون في تلك المدينة الخالية من الضواحي والصخور ببشرة سمراء وهي تظن جهلاً أنهم عبيد الحاكم.
مر حمار يجر عربة عليها أكياس من الفحم ثم اجتمع الأطفال عراة لا يلبسون عليهم سوى ما يستر عورتهم يلعبون بجوار النافذة وأصوات ضحكاتهم تتماهى وتتمازج مع صوت الموج فوجدت سكينتها على تلك النافذة.
كأن تلك النافذة تطل على سكون الحياة بعيداً عن شقاء القرية وضجيج حكاياتها.
فجأة سمعت صوت مزامير وطبول وأغاني غريبة، حاولت النظر من النافذة لكن الأصوات كانت تأتي من أحد الأسواق القريبة من البيت.
خرجت العنقاء من غرفتها بشعرها المتجعد المهمل رافعاً رايته كأنها قنفذ أحدب تسأل:
- ما هذا الضجيج الذي اسمعه؟
- لا أدري يا خالة إن شئت خرجت لأرى.
- لا امكثي مع أختك وسأخرج أنا إلى الباب لأرى هؤلاء العبيد ماذا يصنعون جوار بيتي.
رواية هرارة الرماد وحلقة الزار
وصلت إلى الباب ثم اتجهت إلى السوق تتبع بأذنيها تلك الأصوات وإذا بشاب اسمر قد عرفها من ملامحها وأدرك أنها آتية من الجبال.
وكان اهل تلك المناطق يعتقدون أن الجبليين كما يصفونهم حمقى وأهل جهل فخاطبها بلهجة تهامية بالكاد فهمتها :
- ارجعي فلدينا زار وقد يدخل فيك أيتها الجبلية.
لم تفهم ولم تستوعب لكنها اقتربت من إحدى النساء وسألتها: "ماذا يعني زار؟ ومن هؤلاء المجاذيب الذين يرقصون حول هذه المجذوبة؟"
فأجابتها العجوز التهامية بحلم وزهد: "هذا زار يخرجون الجن من المرأة الملبوسة، ألم تشاهدي زاراً من قبل !"
تمتمت العنقاء بصوت خافت متندمة : "ليتني أحضرت نصير معي لعل عقله يرتد ونتخلص من هوان الناس والحاجة إليهم"
بدأت طقوس الزار والمجاذيب يطبلون ويزمرون ويطلقون تلك الأغاني الغريبة والفتاة في وسط الحلقة وهم حولها.
أقبل أحدهم وبيده سكين حادة وقام بخرق خده حتى لاح الجرح للجميع وسالت الدماء بشكل كثيف، ثم قرأ عليها بعض التمائم وإذا به يختفي كأن لم يكن.
تزاحم حوله كثير من البشر وبدأ بمكر يداوي بعض المفتونين بقرع الطبول والأهازيج الغريبة من الزيران التي قد علقت بهم حسب زعمهم. هربت العنقاء ولم تحتمل ثقافتها البسيطة رؤية المزيد من جوانب الحياة.
عجوز من الحبشة في رواية هرارة الرماد
وفي اليوم التالي، ذهبت إلى الحكيم الذي يداويها من داء الظهر وعادت منهكة لكنها في الطريق وجدت عجوز من الحبشة تدب في الشارع تتذمر من شيء ما.
اقتربت منها العنقاء فنادها اخوها: " مالك ومال العجوز دعينا نعود، البنات وحيدات في المنزل."
لكن العنقاء تجاهلته واقتربت تحاول محادثة العجوز:
"مالك يا حجة حزينة وانت في مدينة لا زرع ولا حرث ولا حلب ابقار."
رمقتها العجوز بنظرة متعجب ثم تساءلت:
"من انت يا ابنتِ؟"
ردت سريعاََ:
"انا عنقاء ابنه الشيخ مفرح ألم تسمعي عنه!"
نظرت إليها العجوز بزهد في عقلها ثم أجابت:
"ومن لم يسمع عن مفرح الذي فرح البلاد والعباد، ليته يأتي إلى هنا ليفرحنا من ماله.."
لم تفهم العنقاء أسلوب العجوز الذي كان مختلفاً عن أسلوبها في السخرية لكنها واصلت الطريق تهذي وتتحدث عن كل شيء في قريتها حتى قاطعتها العجوز فجأة:
" يبدو أن أهل قريتك ينفرون منك.. ويبدو أنك لم تجدي من تحدثينه منذ فترة طويلة… أعذريني يا ابنتي فقد وصلت بيتي.. استودعتك الله."
وقفت العنقاء متعجبة من قدرات أهل هذه المدينة الخارقة:
"كيف عرفت الجارية أني لا أحدث أحداََ في القرية؟"
ضحك أخوها من سخف عقلها وقال لها زاجراً:
"هذه عجوز من الحبشة ليست جارية.. ثم أنك قد اتعبتها بثرثرتك لذلك قالت ما قالته"
لكن العنقاء لم تقتنع بما قاله أخوها وظلت تفكر بالزار وبالراقصين والمنشدين وتمنت أن ترى زاراً مرة أخرى. وعندما وصلت إلى الدار، وجدت ابنتها مالكة معلقة على نافذة الغرفة رافعة كفيها تدعو:
"يا رب زوج أختي ريحانة بالأمير."
لم تطق العنقاء ما سمعته وانهالت على ريحانة ضرباً متهمةََ أياها أنها من قام بتعليم ابنتها ذلك الورد:
"هذه ابنة نصير وليست ابنة الخضر يا مجذوبة، اتركي الأوراد والقرآن للذين يضربون البنات بالصميل أما ابنتي فأريدها هكذا، كما هي"
لم تفهم ريحانة ما باحت به العنقاء من ألم عالق في جوارحها لكنها ظلت تبكي ألمها..
خرجت العنقاء وذهب إلى غرفتها لتستريح وسحبت ابنتها معها بينما ظل أخوها يراقب ريحانة بحزن وقبل أن ينصرف تمتم بصوت منخفض:
" أسأل الله أن يعزك عزاً لا يهان يا ابنتي وأن ينجيك من هذه المشؤومة الملعونة"
رواية هرارة الرماد واستقبال الأمير للرسالة
وهناك في إحدى قلاع صنعاء كان الأمير محمد جالساََ في مجلس مليئ بالوجهاء والأعيان فإذا به يسمع صوتاََ كأنه صوت طفلة صغيرة:
"يا رب أختي ريحانة تتزوج الأمير"
بدا له الأمر كأنه صنف من أصناف الخيال فهز رأسه واستعاد وعيه سريعاً ليستمع إلى ما يقوله الحاضرين. ولما خرج من مجلسه ذاك همس أحدهم في أذنه:
"يجب عليك الذهاب سريعاً إلى الحديدة"
تعجب الأمير مما يحدث له لكنه أمر عسكره أن يقوموا بتجهيز موكب سريع ينقله إلى ساحل الحديدة...
انقر هنا لقراءة رواية هرارة الرماد الجزء 16
رواية هرارة الرماد بقلم الأنامل اليمنية:
"زبيدة شعب"
ـــــــــــــــــــــــ
👍👍👍
ردحذفرواية جميلة جدا تشبه قصص الف ليله وليله سلمت أناملك
ردحذف