نعمة وجود الأب |
قصة مذاق العلقم
طغت البراءة ملامحها الصغيرة، ثغرها الوردي يلمع أثر اللعاب الذي دائماً ما يسيل عليه مع أنها كانت تحاول بلعه
لكن لا بد من القليل منه أن يبقى، كلماتها المتقطعة شيفرات صعبة الفهم لن يتمكن من فكّها سوى والدها، حتى أمها كانت نادرًا ما تفهم مقصدها.
رغم صغر سنها إلا أنها كانت ذكية جداً و تستطيع تميّز الوقت ويحدثها قلبها بالكثير عن تفاصيل تخصّ عودة والدها الى المنزل، فعندما تبدأ الشمس بالغياب تلبس
حذائها الأحمر الذي اشتراه لها وتركض مسرعةً لبداية الشارع وتنتظر هناك، لن تطول مدة الانتظار كثيراً فهي تعلم انه الوقت الميمون الذي ستخرج أقدام أبيها أولاً من تلك الحافلة البرتقالية.
قصة مذاق العلقم - حضن الأب
وسيأخذها في حضنه كالمعتاد ويقبّلها بشوق كبير كما لو أنه كان في سفر من عدة سنين، فلا لوم على ذاك الصدر الرحب الذي لم يغمر أنثى بذاك الحب المقدس الذي خُلق
مع ولادة طفلته، ولا لوم على ذاك القلب الصغير الذي لن يروي ظمأ عشقه سوى حضن أبيها الدافئ، ولن يهدأ بالها و ترتاح الا عندما تمسك بيديه عائدة إلى المنزل وفي يدها الأخرى بعض من الحلوى و الشوكولاتة التي ابتاعها لها.
ثم تنتظر ميعاد نومه لتختلق بعض الأعذار عن خوفها من النوم بمفردها لتغفو بحضنه، كانت تكرر فعلتها يومياً، حتى كبرت فأصبحت أكثر وعياً وتخلّت عن بعض عاداتها
الطفولية والتزمت بالبقية، الا ان قلبها لم يكبر ابداً، حاولت عدة مرات ألا تنتظره في أول الشارع ذاك لكنها لم تستطع منع نفسها ابداً..
قصة مذاق العلقم - سيارة الإسعاف
في إحدى الأيام وبينما كانت تنتظر عودته كالمعتاد أحسّت بشيء غريب، فقد تأخر فعلاً، لكنها لم تشأ العودة للمنزل الا بصحبته، لمحت من بعيد سيارة إسعاف قادمة نحوها، فظلّت تحدق بها و قلبها يخفق بشدة، كانت أكثر ما تتمناه
في تلك اللحظة ألا يكون مكروها قد أصاب والدها، لكن مرارة الواقع كانت قاسية ولم ترأف بها، أصاب قلبها حدثها حينها، كان صديق والدها المقرب يجلس بالمقعد الأمامي وكان يبكي بشدة.
ولم يلاحظ وجودها في ذلك المكان، لم تتوقف سيارة الإسعاف عندها وأكملت طريقها نحو منزلهم، خطواتها كالبرق في ركضها، وكيف لها ألا تقلق وهناك شيء غير منطقي ولم تعتد عليه ، يحدث؟!
قصة علقم المذاق وموت الأب
نظرت لأمها رأتها منهارة بالبكاء والصريخ، تقدمت لترى ما الذي يبكيها، لكنها رأت ما يصعب تصديقه، كان أبوها مغطى بالدماء، تعرض لحادث قوي جدا في عمله، فإحدى
تلك المعدات الحادة التي كان يعمل بها انقلبت عليه ومزقت جسده ، ولم يستطع الأطباء انقاذه ولا بأية طريقة مما سبب وفاته على الفور، وكيف لقلبها الصغير أن يفهم هذا، وكيف لعقلها برمجة هذه الأحداث؟!
وانها لن تتمكن من رؤيته مجدداً، ورثت عنه قوة الصبر والتحمل، فلم تحرك ساكناً، لم تذرف ولا دمعة واحدة، لم يكن بيديها حيلة، أخذت تتأمل تفاصيل وجهه كيلا تنساها ومسكت يديه ووضعت رأسها على صدره، كانت تحاول ان
تسمع دقات قلبه وتثبت لهم انه لا يزال حيّا، لكن لم يحصل ما تتمناه، ذهبت برفقتهم للمقبرة، وبصعوبة كبيرة استطاعوا اخراجها من قبره كانت تطلب منهم ان يدفنوها معه، "وهل هناك حياة بعد موتك يا ابي، كم يصعب علي العيش دونك؟!"
قصة فتاة فقدت ابوها |
غادر الناس جميعهم لكنها لم تستطع تركه، حاولت امها كثيرا إقناعها بالعودة لكن دون جدوى، حتى أتت احدى
صديقاتها وبقيت معها لتعود امها الى المنزل وتفتح العزاء المتوجب عليها ، أخذت تعانق صديقتها وأجهشت بالبكاء، وتحدثها عن كل لحظة جميلة قضتها مع والدها، وأنه كان
الأب المثالي الذي لم تسمع منه كلمة واحدة سيئة ذات يوم، وأخذت تصرخ بأعلى صوتها كيف له ان يتركها ويغادر.
قصة مذاق العلقم - حنوّ الأب
ستبقى وحيدة على ذكراه وهذا لا يكفيها، ومن سيحنوّ عليها، وترجوه ان يعود لها مع أنها كانت متأكدة من عدم استطاعته العودة إلى الحياة، لكن من يفهم مشاعر الابنة التي لم ترتوي بعد من حنوّ ابيها ومن اهتمامه بها؟!
عادت إلى المنزل بحالة يُرثى لها، بالكاد تستطيع الوقوف على اقدامها، كان منزلها مكتظاً بالناس، بعضهم من يبكي والبعض الآخر غير مكترث بما حدث ويتناول الطعام ،
نظرت اليهم نظرة غضب وألم، لو انها تستطيع طردهم لفعلت دون تردد لكن منعتها امها ، وقالت لها :"لن تحرق الجمرة سوى قدماً وطئتها "..
اقرأ ايضا :"خاطرة كفوا عن أذيتي خواطر حزينة".
كان الدمع يفيض من عينيها، و قلبها يعتصر ألماً فلن تتمكن من تقبيل ذاك الجبين كعادتها هذه الليلة، وضعت صورة أبيها قرب قلبها لعله يهدأ من حدة الشعور بالوحدة و شدّت لحافها وغمرته، كانت ليلة فظيعة لم تمر مرور الكرام بل
طاردتها كوابيس بالجملة فاستفاقت عدة مرات على صراخ متكرر" أبي عدّ لي، لا أستطيع النوم دعني أنام قربك" استفاق الحيّ بأكمله على أثر صراخها .
قصة مذاق العلقم - الطعام الذي أُعدّ بالدموع
حتى أطلت شمس اليوم التالي ودخلت نوافذ البيوت كلها وبعثت فيها الراحة والدفئ، عدى عن منزلها، الذي لا تدفئه سوى ابتسامة أبيها ورائحته، ذهبت لعطره ووضعت منه
على يديها لعلها تستنشق بعضا من ريحه، ذهبت تبحث عن أمها في أرجاء المنزل الذي بات فارغاً من لحظة وفاته، فوجدتها بصحبة بعض النساء تحضر الطعام في المطبخ والدموع تغدق وتفيض من عينيها، استغربت ولم كل هذا الطعام ولمن؟!
وما ان حلّت الظهيرة رأت تدافع قوي للناس على باب منزلها، ما كل هذه الجلبة؟ و الصواني في حالة تأهب، ذهابا وإيابا، سألت أمها مستفسرة عماذا يحدث؟!
اقرأ ايضا قصة بيننا حكاية لم تنتهي بعد
فأجابتها انه عليهم تقديم الطعام للمعزيّن عن روح المرحوم، كانت علامات التعجب تدور في رأسها وعينيها وأخذت
تحدث نفسها :"هل يستطيع هذا الحشد من الناس أكل طعام أُعدّ بالدموع، غريب أمرهم، لم لا يأدّوا واجبهم ويغادوا بهدوء".
بقلم الأنامل اللبنانية :
"ندى خلف"
مؤثرة
ردحذف❤❤❤
ردحذفالقصة بقدر حزنها بقدر مصداقيتها 💔
ردحذفالقصة مؤلمة احسنت الوصف
ردحذف💔
ردحذف👍👍👍👍
ردحذفالقصة تضمنت خاطرة في ذات الوقت رائعه جدا مبدعه انتي وفنانة في كل ما تكتبينه 🥰
ردحذفالقصة تبكي .. جميلة بالاحاسيس التي فيها
ردحذف