رواية هرارة الرماد روايات رومانسية جزء ١٤- قصص أنامل عربية


رواية هرارة الرماد جزء ١٤- قصص أنامل عربية
رواية هرارة الرماد 


رواية هرارة الرماد الجزء الرابع عشر 

فتحت الريحانة المغبرة بالرماد عيناها من جديد..لترى شابان غريبان تشبه ملامح أحدهما أمها شبها كبيراً. ابتعدت إلى الخلف وخافت خوفاً عظيماً وناشدتهما تركها وشأنها. 

خافت أن يمسها أحدهم بسوء فيكون بهتك عرضها اكتمال تعاستها! 

ابتعدت إلى الوراء ترتجف من ضرب الحمى وقرع الخوف على مفاصلها المتعبة تتوسل:

"ناشدتكم الله.. قد خاض الناس في عرض أمي وهي ميتة فاقتلوني إن شئتم...ولا تجعلوا من عرضي لقمة سائغة في أفواه الناس "

كان أحدهم وسيع العينيان مكحلاً بشعر شديد السواد.. اقترب منها مطمئناً:

"لا تقلقي أنا اخاك دافع وأنا انقذتك من السقوط والموت في الكفر "

"اخي..! كفر..! "

تذبذب صوتها رعباً وهلعا فهي تعلم أن لا أخ لها لكن الآخر بادر سريعاََ بشرح الموضوع وأوضح لها:

"نحن أخوانك من أبناء الملك فريع.. ملك ملوك الجان في العالم العلوي، ديننا هو الإسلام، ونحن لا نؤذي أحد أرسلتنا أمنا رحيمة للدفاع عنك وحمايتك "

"من؟  امي!  هل لا زالت حية! "


رواية هرارة الرماد وتبادل الأدوار

نظرت إليهم ريحانة وهي ما بين الشك والتصديق، ما بين التفاؤل والتشاؤم، ما بين الفرح بانفتاح باب رحمة جديد والخوف من أن تخدع من جديد فأقبلت عيلهما:

"بالله عليكم كيف أصدقكم؟…قد دفعت أمي بيدي هاتين !"

ابتسم الاثنان وفي لمح البصر وجدت نفسها على بساط من كثبان السحاب عالياً. مضوا مسرعين كأنهم برق في كبد السماء حتى أتوا جبلا عال جدا فأمروه فانفلق وظهرت بوابة قصر فولجوا فيها. 

حتى وصلوا إلى عرش عظيم يخدمه الجن وعليه تجلس أمها وعليها من الذهب والفضة ما عليها.. وعطور السند والهند تملأ المكان عبقاً. 

سألتها أمها معاتبة إياها وكان صدى صوتها الدافئ يرن على جدران ذلك القصر فيبعث في جوانح  الصبية شعور الرهبة والسعادة في آن واحد:

"لماذا يا صغيرتي  قررت التردي ؟ "

بكت الصغيرة وقد هابت عرش أمها ولم تجرؤ على الإقتراب منها وهي معفرة في الرماد. وشقت الدموع طريقاً بيضاء على وجنتيها المغبرة بالرماد لكن الأم لم تحتمل ذلك المنظر. 

اقرأ أيضًا :"قصة جولة حول الكعبة قصص قصيرة". 


رواية هرارة الرماد وسحر اللاوعي

كسرت قوانين الجن ونزلت من عرشها العظيم  بحلتها وحريرها واحتضنتها بحنان حتى زالت الحمى، وزال الحزن، وزال الغبار ولمعت عيناها الخضراوان الجميلتان من جديد. 

وبدأت الدموع تقطر من أطراف رموشها كأنها قطرات ندى تقطر من زهرة الياسمين. ظلت رحيمة محتضنة فتاتها حتى هدأت جوارحها واستكان قلبها. 

لم تكن ريحانة تصدق ما يحدث لها، فسحبت خيط من ثوب أمها الحريري، ثم عادت الأم وسألتها من جديد:

"لماذا اردتِ التردي يا صغيرتي.. لماذا قررت الموت ؟ "

باحت ريحانة لأمها بما يمزق نياط القلب من الألم، ويعتصر الكبد من الوجع ويطفئ وهج الروح من القهر. فأخذت رحيمة تهون عليها قائلة:

"هوني عليك فأنا وأخوتك معك ولن تخافي بعد اليوم "

أطالت هرارة الرماد النظر في وجه أمها تتأمل ذلك الشباب الذي يتدفق في وجنتيها، لا تكاد تصدق هل هي في عالم حقيقي أم أنه اختراق للزمان والمكان!

وظلت تحدق فيها حتى أغشي عليها من الوهن. 

وفي لمح البصر استيقظت ريحانة في الوادي والأغنام تلتف حولها ولم تعلم هل كان الأمر حلم أم أنه علم لكن رائحة عطر أمها لا تزال ثابتة على ثيابها وذلك الخيط الحريري في يدها! 

لم تدري ما الذي حدث معها ولم تفهم شيء، لم تعد تشعر بالوهن والحمى بل شعرت أن ذلك اليوم هو أسعد ايامها منذ ماتت أمها. 

فأخذت تغني بصوت رقت له أحجار الوادي من عذوبته ليصل صدى صوتها مسامع ابن الحاكم الأمير محمد الذي لم يكن يسكن في وصاب إنما في قلعة من قلاع صنعاء! 


رواية هرارة الرماد والصيد الثمين

سرقت كلماتها قلبه، وحير ذلك الصوت الذي بدى كنحيب الناي عقله؛ فعاد من يومها هائماََ يطوف المدن والقرى متنكراََ عله يجد صاحبة ذلك الصوت الملائكي.

وفي اليوم التالي، كانت ريحانة تطهو الطعام سعيدة كأن لم يصبها أذى، تمد الحطب في "المكرام" وتوقدها فيتوقد شوقها لرؤية أمها رحيمة مرة أخرى.

 يا لها من تجربة فريدة، ويا له من لقاء يجدد للقلب الشائب من جور المصائب شبابه. كانت تحاول إكمال عملها بسرعة ونشاط استعداداً للذهاب إلى منزل والدها لتعتني به ثم تعود لرعي الأغنام. 

أقبلت الكلبانية بوجهها المرعب تهش ذباباََ قد عشقوا الوقوف عليه. اقبلت عطشى لدموع ريحانة التي ليست على استعداد للبكاء فقلبها مغمور في نشوة وطرب. فإذا بها تسمع همساً في قعر أذنها:

"إن طلبت منك البكاء فبادري به سريعاً ولا تخافي "

سمعت ريحانة ذلك الهمس في أذنها فعرفت صاحبه على الفور. وفهمت الرسالة دونما تعب، وفطنت الحكمة دونما اجتهاد. 

وقفت الكلبانية على رأسها ونظرت إليها بنظرة مجرم ينوي قتل الضحية، تحمل كوباََ نحاسياََ اعتادت ملأه من دموع عينيها الخضراوين.

فبادرت ريحانة بالبكاء فوراً وأخويها دافع ونافع يقومان بصب سائل جمعانه من عرق الحمير حتى ملئ الكوب. 

صُدِمت الكلبانية من كمية الدموع هذه المرة ولكن النتيجة سرتها على أي حال، فهذا يدل على أنها قد أنجزت حزناََ يحز عظم الريحانة الجميلة وتلك هي غايتها ومبتغاها.


رواية هرارة الرماد وهل العنقاء كلبانية!

كان للعنقاء روحاََ توقد من احتراق الأرواح من حولها فتتغذى هي على وهج الحزن وتنعم في دخان الألم. 

فهي ممن يتغذون على أحزان من حولهم، يمتصون تلك المشاعر التي تنبعث من المظلومين ويعيشون عليها.

كانت العنقاء دائما تتذكر حديث جدتها عن الكلابنة: "يعيشون على النواح حتى يكون النواح ولعتهم، ثم يبدؤون بشرب الدموع حتى تكون الدموع دوائهم، ثم 

بشرب الدماء إن سيطرت الشياطين على قلوبهم فيكون القتل أقرب إليهم من حج البيت نافلة "

ولأنها سمعت كثيراً من الرقاة يرددون على مسامع أبيها ذلك الحكم الصارم في حقها، وختم حديث الرقاة بمعايرة أخوتها لها بيوم ولادتها: " مولودة نحس في أيام نحسات.. لن يأت منك غير المصائب !"

آمنت العنقاء وسلمّت للحكم بأنها كلبانية وبدأت بتنفيذ تلك المقولات في حقها تنفيذاً حرفياً!

انصرفت تحمل كوب مشروبها المفضل، محنية الظهر مشؤومة الإطلالة كريهة الأنفاس. 

نظرت الريحانة على يمينها باتجاه ذلك الصوت وابتسمت فلاح لها طيف نافع ثم اختفى بين العجور المركومة، وملئ المكان برائحة الكاذي، فأكملت عملها تشعر برضا لم تشعر به منذ زمن طويل.

انقر هنا لقراءة الجزء 15 من رواية هرارة الرماد


رواية هرارة الرماد بقلم الأنامل اليمنية 

"زبيدة شعب" 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العجور/ اعواد السنابل الجافة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

2 تعليقات

رأيك يهمنا

أحدث أقدم