رواية هرارة الرماد |
رواية هرارة الرماد الجزء السابع
رواية هرارة الرماد وحديث المجالس
كان نصير يمسح ورق القات ويمضغه ويتبادل الحديث مع جماعة من رجال القرية . لم يكن لبرد الشتاء أي سطوة على ذلك المجلس الدافئ من أثر دخان(المداعة) وحرارة الجمر في (المجحم).
دخلت ريحانة المجلس تركض باتجاه ابيها؛ احتضنها نصير بحب وأجلسها في حضنه وإذا بالقاضي بهيج يمسح على لحيته ويدقق النظر فيها وقد بانت على وجهه علامات استهلال لذلك الحديث المزعج.
شعر نصير أن القاضي بهيج سيفتح الموضوع ذاته وحاول الدخول في موضوع يشغل به تفكير الحاضرين ولم يلبث أن يفتح فمه إلا وقاطعه بهيج :
" سعيد حظه من سيتزوج ابنتك "
ثم ضحك وتناول "المتفل" وبصق فيه وأكمل حديثه ساخراً:
"لا يحتاج لشقاء ولا لغربة، فالمال جاهز والبيت جاهز"
ضحك الحاضرون على استحياء من نصير لكن نصير تغيرت صورته وبدت على وجهه آثار تلك الكلمات واضحة فعلم الجميع أن ذلك الحديث لا يروقه أبدا وغدا الحضور يتهامسون فيما بينهم.
كلا يحذر الآخر من غضبة مفاجئة من نصير فصاحب المال لا يجب أن يغضب.
ولم يعد نصير يستطيع تناول قاته في أي مجلس من مجالس القرية إلا وفتح موضوع الذرية من قبل مجالسيه،
متوجهين إليه بالنصح، متظاهرين بالحرص على ماله وأرضه وما غايتهم إلا التقرب منه كصاحب مال وأرض وليس الحرص كما يدعون.
كان كل منهم لديه ابنة يعدها ويعتني بها استعداداََ لخوض مصاهرةََ رابحة مع نصير إن ابدى رغبته في الزواج من جديد. ولم يكن أمر الولد إلا جسراً سهلاً يصلون به إلى عقله لغرس خطاطيفهم في خزنة ماله ليس إلا.
رواية هرارة الرماد وقرار العجوز رمانة
كانت العجوز كلما جلست مع نصير وزوجته، تنظر إلى ريحانة ثم تكرر ذات الجملة:
"ريحانة تحتاج لأخ يسندها "
كان نصير يحاول تجاوز مرارة قلبه ممازحاً إياها بجملة يستنكر بها مقولة الولد سند:
"معك حق يا امي فقد سندني نظير حتى مال جنبي واحدودب ظهري وشاب شعري من لطفه!"
لكن العجوز لم يكن يرقها صبره، لا ولم يعجبها استسلامه للأمر وبقاؤه بغير ذرية. وكلما جمعها مكان خال مع نصير همست في أذنه تهز بكفها المتجعد كتفه:
"اخاك ليس لديه أولاد وانت لديك ريحانة، فمن سيرث أرضنا ويرعاها!"
كان حديثها يجرحه فكلما وقعت عيناه على رحيمة اختلج فؤاده موج من الرحمة لها:
"كيف أخونها يا أم وهي وفية وكيف أكسرها وهي عضدي "
لكن الأم أخيراً اجابت بحزم وكأنها قد حسمت القضية:
"من قال لك خنها؟ خذ ثانية تعاونها وتلد اخاً لريحانة وإلا مت غاضبةََ عليك "
ودخلت غرفتها بخطوات بطيئة تردد في سرها:
"احدهم له قلب رطب ككبد الطير والآخر فؤاده من حجر "
رواية هرارة الرماد ودعوة الخضر
خرج نصير يصارع أحجار الطريق بقدميه، شاخص البصر تعانق الشمس جبينه الأسمر. لم يكن نصير هذه المرة مناصراََ لأمه ورأيها فقد كانت ريحانة تملأ بعبقها حياته.
مضى في تلك الطريق المتعرجة وشجر التين الشوكي عن يمينه وشماله كأن الحياة بأكملها صارت تستقبله بشوكها.
ولما وصل إحدى برك الماء، كان التعب قد تمكن منه فدنى يهون على وجهه حرارة الشمس بقليل من الماء ويطفئ به حر قلبه الحائر.
رأى على سطح البركة انعكاساً لرجل مجنوناً كان أهل القرية يدعونه الخضر لعمق الحكمة في أحاديثه ونفاذ دعوته.
التفت إليه نصير عابس الوجه لا يروقه الحديث مع أحد فقد شُغِل بمرارة حياته عن حلاوة روحه؛ نظر إليه الخضر وأشار إليه بعصاه قائلاً:
"اهبط يا ولدي إلى البركة واسقيني فعمك شيخ كبير ومن الصعب علي الهبوط "
نظر إليه نصير عابس الوجه وأشار إليه بإشارة بيده تعني اتركني وشأني، ثم مضى بعيداً حائر اللب مشتت الذهن والجوارح. حزن منه الخضر واخذ يدعو عليه:
"عبس عبوس، سلط الله عليك شر النفوس! "
رواية هرارة الرماد وامتثال ريحانة للقدر
في تلك الغرفة الطينية والريح يدخل من نوافذها الوسيعة كأنه يأخذ جولة في الغرفة عابثاََ بستائرها ثم يمضي، والفانوس يتأرجح غير مبال بأنات تلك الصدور الحيارى!
جلس نصير شارد الذهن يحاول أن يجد مدخلاً يفتح به الموضوع على رحيمة، لكنها كانت تعلم بالأمر كله وكأنها قد قرأت عينيه فاختصرت عليه العناء وقالت بثقة وقوة:
"لا عليك.. لها بيت ولي بيت فلم يسعني هذا البيت مع زوجة أخيك فكيف يتسع لي مع ضرتي "
لم يناقشها نصير لكنه اسرع ممسكاً كفيها مقسماً:
"اعاهدك عهد الله أني لن أحب سواك ولن تأخذ أي امرأة قلبي منك "
كان ذلك القرار بالنسبة لرحيمة بمثابة الكي على الجرح الدامي؛ لكنها تدرك أن الألم هذه المرة لن يبرح. لم تسأل زوجها عن هوية العروس الجديدة فالموت واحد إنما تعددت أسبابه.
رواية هرارة الرماد ورؤيا العجوز المفزعة
اقترب الفجر؛ فجاء زوجها يحمل على ظهره طيناََ وقد ظهرت على وجهه ندوباََ بشعة. سألته بحزن وخوف ما هذا الذي على وجهك.. فأجاب بصوت محشرج:
"ضيق الحمى.."
كان المكان معتماََ؛ وكان صوته خافتاََ كأنه يتحدث من خلف حجاب الزمان والمكان... اقترب من سريرها ثم أخذ الصميل واتجه إلى الخارج..!
شعرت أنها مكبلة عن الحركة فأخذت تناديه بخوف:
"إلى أين ستذهب ولماذا أخذت الصميل "
التفت إليها وفي وجهه ظلمة وجفاف ثم قال لها:
"لن تحتاجيه بعد اليوم سآخذه عندي"
حاولت أن تلحق به؛ لكنها استيقظت من نومها لتجد العجوز رمانة نفسها حبيسة ذلك الكيس المربوط من الداخل..فزعةََ يرجف الخوف قلبها كأن البرق قد أصابه محتارةََ في هذه الرؤيا العجيبة!
اخذت تردد وهي تفتح ذلك الكيس الكتاني الذي يشبه الكفن إلى حد كبير:
"اعوذ بالله من الشيطان .. خير ..يا رب اجعله خير"
جلست بعد ذلك الجاثوم خائفةََ تشعر بنبضات قلبها سريعة من غرابة تلك الرؤيا التي رأتها!
نهضت تستعد لصلاة الفجر بالوضوء والطهارة محتارة في تلك الرؤيا وفي تعبيرها.
وبعد صلاة الفجر، عقدت في نفسها النية على الذهاب إلى الشخص المناسب الذي سيأتيها بالخبر اليقين من حياة البرزخ حيث يعيش زوجها الميت منذ زمن طويل!
انقر هنا لقراءة الجزء الثامن من رواية هرارة الرماد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواية هرارة الرماد ومعاني الكلمات اليمنية الجديدة
المجحم/ كلمة مشتقة من جحيم لوعاء من الحديد توضع فيه الجمر من أجل الشيشة البعض يسميه مجمر
المتفل/ وعاء يبصق فيه أصحاب المجالس خاصة كبار السن لتقوم ربة المنزل بغسلها بعد ذلك
الصميل/ عصا سميكة من الأعلى تستخدم للدفاع عن النفس
الكيس الكتاني/ كيس من الكتان الأبيض ينام فيه أهل القرى قديماََ هروبا من القمل ومن تلبس الجان ويربطونه من الداخل
رواية هرارة الرماد بقلم الأنامل اليمنية
"زبيدة شعب"
عشت أحداث الرواية وكأنني أراها
ردحذفمُبدعة
👌
ردحذفرواية جميلة كجمال الكاتبة
ردحذفقدوتي 💕💕
ردحذف👍👍
ردحذفننتظر ما الذي سيأتي من خبر زوجها..
ردحذفرائع سرداً وتشويقاً..