رواية هرارة الرماد , هي أول مشاركة روائية لي في أنامل عربية وقد كتبت تفاصيل الرواية في قريتي وصاب العالي مستخدمة فكرة لقصة أسطورية لأقوم بتضمين العادات والتقاليد في اليمن ضمن فانتازيا مليئة بالمتناقضات ..
تابعوا رواياتي هذه ضمن حلقات وسأقوم بتضمين رابط الحلقة التالية نهاية كل حلقة واتمنى من الله أن تحبوا هرارة الرماد وتحبوا اليمن بعد قراءتها.
رواية هرارة الرماد |
رواية هرارة الرماد
في ظلام الجبال الشاهقة وعلى طرقات مدرجاتها الزراعية، كانت أضواء الفوانيس تمشي تشق درباً من بريق ،كأنها في ظلام الليل مسبحة من الذهب.
بدى موكب العنقاء كنجوم تلمع على ذلك الدرب المتعرج في ظلام الليل، يزف ابنة الشيخ إلى منزل نظير ووقع صوت الرصاص يتداخل مع صدى الزغاريد.
رواية هرارة الرماد و زفاف رحيمة و عنقاء
كثير من ضجيج الرجال يقترب من ذلك الدار رويداً رويدا، تستقبله رشقات متتالية من بنادق المرحبين.
ومن "المراوحة" مئة شابة وعجوز يزغردن، ويحملن الحلوى في سلال على رؤوسهن، وصناديق الكساء الحديدية على ظهور الحمير.
وما أن وصلت العروس إلا وبدأ الرصاص يدوي المنطقة استقبالاً لها.
رواية هرارة الرماد وصول موكب العنقاء
إنها عنقاء؛ ابنة الشيخ مفرح صاحب العِقام والجرب والأودان، صاحب الختم الشرعي الذي تتشرف بمصاهرته نواصي الضعفاء، وترجف بحضوره قلوب المساكين.
قد وصلت لذلك الدار البسيط، وقد اختار لها نظير الغرفة الواسعة ذات القمريات الملونة ،والرفوف المليئة بتحف النحاس، وترك "الخلوة الغدر" لأخيه نصير، فما ينبغي أن تسكن ابنة الشيخ مفرح غرفة مظلمة ضيقة !
وصلت العنقاء مبرقعة بالفضة، ترتدي ثوبا أسودا من قماش القطيف المخملي مطرزا باللون الفضي، على سيقانها خلاخل الفضة محناة القدمين.
شدت الحماسة قلب عريسها، وسره أن يجاري المشايخ في زهوهم، و ويماريهم في كرم العطاء ليبدو جديرا بمصاهرتهم، فأسرع إلى الزريبة الصغيرة التي لا تحتوي إلا على خروف واحد وجره من قرنيه ،وقام بذبحه تحت قدميها عند دخولها الدار.
وعندما وجدت العجوز خروفها الوحيد قد بات لحما ،لم يسعفها الموقف لتعاتب ابنها، فقد شغلها زخم الزحام ورفد الواصلين الحاملين لرباع مليئة بالهدايا.
فتداركت خسارة الخروف بكرم الضيافة، للخروج من تلك الخسارة المادية بمكسب معنوي، وطبخته وجاراتها ليتعشى به المراوحة!
وظل نظير رجلا عاطلا عن العمل، في بيت خالي من الرزق مع تلك البلهاء التي ما سكتت عن معايرته بكسله وفقره .
وفي أسفل الوادي تقع "برتة"، الفقيه الذي قضى نحبه نطيحاً لثور هائج ،تاركاً خلفه نجله مسعود وأخته رحيمة.
كانت رحيمة راعية في الوادي جميلة الطلة ، لها عينان خضراوان وشعر أجعد شديد السواد ،كأنها مزيج من نسل العرب والأتراك في وجه واحد.
عرفت رحيمة بين بنات قريتها برجاحة عقلها وحدة ذكائها. فاختارتها رمانة لابنها نصير.
ذهب نصير لخطبتها وقد سمع ما سمع عن طمع أخيها، حاملاً خرقة من الكتان دافئة بقروش فضية، وقدم مهرها من حر ماله رحمة لأمه المتعلقة بأبقارها. ولم يبق معه مالاً كافياً لترميم وتجهيز تلك الغرفة المظلمة كما ينبغي.
رواية هرارة الرماد وخطبة رحيمة ابنة الفقيه
وفي مجلس مسعود، جلس نصير مديراً ظهره باتجاه الباب يقابله مسعود وبينهما حديث مطول. وعلت أصواتهم قليلاً ،وكاد الفضول يفتك بزوجة مسعود وهي تحاول سماع ذلك الاتفاق بين الإثنين.
وما أن أخرج نصير خرقة كتانية من مخبئه، إلا وخطفت كف مسعود تلك الخرقة التي احتوت مهر رحيمة ،قبل أن يمد يده للمصافحة بعد الاتفاق.
وغدا يصب القروش "الفرانسي " في حجره ويعدها ويتأكد من تلك الغنيمة ،وكلما تحدث نصير في موضوع الزواج وموعد عقد القران، قاطعه رافعاً يده :
"أبشر، خذها من اليوم إذا تريد "
ثم يبحر في عد المال من جديد. وخلف باب الغرفة الصغيرة، يخفق قلب تلك الفتاة الخضرانية، وهي تحاول أن
تسرق ولو مشهداً يطمئن قلبها على مصيرها مع هذا الخاطب العجل؛ حتى سمعت نحنحة أخيها تقترب منها، فعادت مسرعة ترتب فراشها كأنها غير مكترثة أو مبالية.
دخل أخوها إلى غرفتها، وسحبها من يدها كما يجر الراعي شاة صغيرة إلى المسلخ، وهي تتبعه بوجل وقد بدت قطرات العرق على خديها، كأنها قطرات من الندى على وردة الجوري، ليزيدها الحياء جمالا فوق جمالها.
وقفت في الغرفة تنتظر رأي مشتريها، وحاولت استراق لمحة من وجهه لكن الارتباك حال بينها وبين ما تريد.
أما نصير فخطف نظرة سريعة خُطِف بعدها قلبه، فتبعها بهبة متداركا لما تبقى من توازنه، وهروب مباشر باتجاه الباب مرددا :
"على بركة الله، على بركة الله "
أما رحيمة فعادت بسرعة إلى غرفة أخيها ،لترتمي في أحضان زوجته ترتجف خوفاً كما يرتجف الطير تحت المطر.
وما هي إلا أيام على زواج نظير، إلا وزفت رحيمة إلى دار العجوز، يتبعها قليل من النساء من خالاتها وعماتها، وقمن بتوديعها عند الباب، ثم رحلن دون أن يقبلن الدخول على العشاء.
بادرت العجوز بقرع الشياطين بالملح، ترشه عند أقدامها تردد المعوذات.
رواية هرارة الرماد وصول موكب ابنة الفقيه
أدخلتها إلى ولدها المزين بالفل و الزنط الحيسي، مرتديا ثوبه النيلي المزعفر وجنبية أبيه الفضية، محزما بالرصاص والسيف على جنبه، ثم صعدت وتبعتها العنقاء إلى المنداد لإعداد العشاء للعروسين.
وفي تلك الغرفة الصغيرة ذات السرير الحديدي والأتريك القديم ، والنافذة ذات الزجاج المكسور ،حاول نصير دفع تقصيره في تجهيز غرفة لائقة للعروس التي تشاطر بنات الحور حسنهن، محاولا تطييب خاطرها قائلاً:
" يكفي للغرفة قمر واحد ،فما ينبغي أن يجمع في ذات الغرفة قمرين "
فهمت رحيمة ما جال في فؤاده من حرج المروءة الذي دفعه لقوله ذاك ،وردت بذكاء:
"لكنها احتوت على القمرين شئنا أم أبينا "
شعر نصير بنوع من الغبطة لتفهمها السريع، وأدرك أن قلبه وماله وعرضه وسمعته في أياد أمينة، وإذا بأمه تناديه من الخارج.
خرج لينظر في أمرها، فإذا بها تعطيه قليلا من الجمر الملتهب في وعاء من الحديد، وتطلب منه أن يصعد جبا المنزل ويقوم بدفن الجمر في المكان المقابل لسرير زوجته.
تعجب نصير من هذا الطلب، فهمست في أذنه وقد قبضت على كفه بكفيها القويتين تهزه بقوة :
"ادفنها قبل أن تدفنك، إن لم تفعل هكذا مت قبلها! "
شعر نصير بتأنيب يهز نياط قلبه الرقيق ،لكنه رحب بالأمر طاعة لأمه ،وصعد سطوح المنزل ،ولما بلغ المكان المطلوب ،أخذه الفضول ليعرف ما إذا كان نظير قد فعل ما سيفعل هو.
ثم ذهب إلى الركن الموازي لسرير أخيه ،وحفر فيه فوجد فيه فحما منطفئ، فعرف أن أخاه قد بادر بتلك العادة المخزية!!
وقف مذهولاً متعجباً كيف يفكر المرءُ بدفن زوجته، وقد أقسم لوليها على كتاب الله ليكونن حام لها !
وغدا يتمتم :
"ما كل هذا الخوف من الموت قبل النساء ،وما كل هذا الاحتراز من حامل الأجل ! "
جلس حزيناً وصب الجمر على حجر المسحقة ،وأخذ يغترف الماء من تلك "السقة الفخارية " في ركن السطوح ويطفئ الجمر، ثم رمى به إلى خارج المنزل، وغسل يده ثم نزل إلى عروسه.
وفي الصباح الباكر نهضت رحيمة بوجه مضيئ كأنه البدر في وضح النهار قد لاح، وخرجت بهدوء تعالج ذلك الباب الخشبي الثقيل بأناملها البيضاء الرقيقة .
صعدت إلى "المنداد " بهدوء الزاهدين، وأشعلت الحطب في "المكرام" الحجري وصنعت عصيداََ وقهوة، ثم نزلت بهم إلى غرفة العجوز وطرقت عليها الباب.
فتح الباب على مهلٍ ،وأطلت العجوز رمانة بوجهها رويدا ترقب بتعجب ،والنوم لا زال محكما قبضته على وجهها المنهك من مراسيم العرس وضجة المرحبين، لتجد ذلك الصباح قد صفا بوجه العروس التي أعدت فطورا لأهل المنزل!!
سرها جدا ما رأته ،وشعرت بالإحراج لتأخرها في النوم حتى بزوغ الشمس، فقد اعتادت أن يكون لها السبق في
بدء اليوم بنشر نور الذكر في أركان المنزل قبل نور قرص الصباح، وأدركت أن ولدها قد وفقه الله. فتحت لها الباب لتدخل الإفطار، ثم ذهبت لإيقاظ نظير ليتناول معهم إفطاره بينما ذهبت رحيمة لإيقاظ زوجها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هرارة الرماد ومعاني الكلمات الجديدة
"المراوحة" / هم الاهل والأصدقاء الذين يرافقون العروس ليلة زفتها إلى بيت زوجها
العِقام والجرب والأودان / أنواع من قطع الأرض الزراعية لكن العقمة تقع على ضفاف سائلة وهي اكثر خصوبة
"برتة"/ مسمى للبيت الصغير الريفي
"الفرانسي "/ أنواع نقود فضية استخدمت في ذلك الزمان
الخضرانية/ يطلق على خضراء العينين أو صاحبة البشرة القمحية
الزنط الحيسي/ نوع من الورد بزرع في مديرية حيس تزين به عقود الفل
المنداد / علية المنزل ويتم الطبخ فيها ومكانها جوار باب السطح لضمان التهوية
والأتريك/ يشبه الفانوس ويعمل بالغاز
السقة الفخارية / مسمى لزير الماء الفخاري
"المكرام" / طوبتين من الحجر توضع الحطب بينهما اثناء الطبخ
انقر هنا لقراءة الجزء 3 من رواية هرارة الرماد
رواية هرارة الرماد بقلم الأنامل اليمنية
زبيدة شعب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اقرأ أيضاً للكاتبة قصة شخص لا يشيب
ـــــــ تم ــــــــــــــــ
متشوقة لاعرف بقية القصة
ردحذفجميييييييلة
ردحذفابداع
ردحذف