رواية هرارة الرماد روايات رومانسية جزء ١٣- قصص أنامل عربية

          

رواية هرارة الرماد  جزء ١٣- قصص أنامل عربية
رواية هرارة الرماد 


 رواية هرارة الرماد الجزء الثالث عشر

في ظهيرة يوم الأربعاء كان باب دار العنقاء يُطرق بقوة. نزلت العنقاء ونظرت من شرخ صغير في باب الدار لتعلم من هذا الذي يطرق بابها الذي يكاد لا يطرق بالأسابيع.

وجدت أم علي هي من تقوم بقرعه فأسرعت وفتحت الباب وقد سرها أن يزورها أحدهم.

ولجت أم علي من الباب: "كيف بنت الشيخ مفرح "

اجابت العنقاء بتعب شديد: "متعبة جداً "

نظرت إليها أم علي شزراً ثم سألت بسخرية:

"وما الذي يتعبك وقد فارقتي الرعوية والعمل ...وريحانة تقوم بكل أعمال المنزل ؟ "

لكن العنقاء كانت متعبة جدا وبدأت تظهر عليها بقع حمراء دامية. أخذت أم علي نظرة على تلك البقع التي تغطي جسد العنقاء إلى جوار تلك البقع القديمة ثم قالت:

"لا بد من ذهابك إلى السخنة "

رواية هرارة الرماد والذهاب إلى السخنة

كانت العنقاء قد سمعت عن تلك المنطقة لكنها لم تزرها من قبل فسألت متعجبة:

"وبماذا سينفعني الذهاب إلى ينابيع جهنم تلك "

جلست أم علي واخذت أبريق القهوة وبدأت تصب لنفسها كوباً منها ثم سحبت الربعة المحتوية على بعض الفطائر وبدأت تأكل وتتكلم:

"ينابيع حارة خلقها الله هكذا... خذي معك السدر والثعب واذهبي واغتسلي هناك وأجزم لكِ أنك لن تعودي إلا بخير"

اعجبت الفكرة عنقاء، ومع فجر يوم الجمعة تركت الدار عند ريحانة لتعتني بأختها وشدت رحالها باتجاه السخنة التي تقع على طريق السفر بين وصاب والحديدة برفقة أحد أخوانها.

رواية هرارة الرماد وحال السجين المجنون

ظلت ريحانة تذهب كل يوم لتطعم أبيها المجنون وتنظف المكان الذي ربط فيه، لم يكن نصير ليهدأ في سجنه ذاك إلا عندما يسمع صوت ابنته ريحانة. 

كان يرى فيها امه ويفرح بها كثيراً حين تفتح باب سجنه للعناية به. ثم تعود لتعتني بأختها وتطعمها حتى نال منها الشقاء والتعب والهوان والظلم.

كانت تلك القرى في وصاب العالي لا تؤمن بالخزعبلات ولا تواجه أصحابها بل تهادنهم. امتاز أهل القرية بالميل إلى السلام وعدم المواجهة وكانوا يطلقون على من فتن في دينه أو عقله مجذوبا. 

اكتفى أهل القرية بتسمية الأشياء بمسمياتها وكان المجاذيب قلة قليلة لهم مميزات عجيبة وحفلات وطقوس.

كانوا يمرون على الوديان فيطعن أحدهم الأخر بجنبيته حتى تسيل دماه ثم يمسح بكفه ذلك الجرح العميق الدامي مهللا مكبرا مستعينا بالله فيزول الجرح كأن لم يكن!

وابتكروا رقصات غريبة وصار لهم طقوس لم يعتد عليها أهل القرى لكنهم كانوا يشعرون بالمتعة وهم يتابعون طقوسهم تلك واسموها التنويش

وكان اشهر المجاذيب هو الخضر؛ المجنون الحكيم الذي دعا على نصير!  أما الكلبانية فكانت بعيدة كل البعد عن أي طقوس روحانية سواء كانت سوية أم غاوية. 

الكلابنة هم نوع من البشر تتمازج أجسادهم مع الجان ولهم خواص تزداد يوما بعد يوم، تبدأ من ظهور البقع المخيفة 

على جلودهم تشبه الجرب مروراََ بإدمانهم على أجواء الحزن والموت ثم شرب دموع البشر وصولاََ إلى شرب الدماء وتحولهم وهروبهم إلى مناطقة بعيدة خارج القرى كأم بيدر الساحرة في المعتقدات القديمة. 

ظهرت تلك البقع في جسد العنقاء عند إصابتها بمرض جدري البقر في طفولتها لكن حينها زعم المقذي أن بها مس من الجان وحذر الشيخ مفرح من تحول ابنته إلى كلبانية:

الشيخ مفرح: "والله أن البنت لا تأكل ولا تشرب ولا تلعب "
المقذي: "هذه هي علامات اقترابهم فاحذر أن تتحول ابنتك إلى كلبانية تأكل البشر "
الشيخ: "كيف اصنع يا سيدنا كيف.. البنت تحبس نفسها بالساعات الطويلة ولا تكلم أحد "
المقذي: " آت لها بمن يقرأ عليها قبل أن يتفاقم المس "

هكذا كانت طفولة العنقاء بائسة بين ضرب اخوانها لها وسجنها بعيداً عن الكتاب وبنات القرية وما بين زوجة أبيها التي حولتها إلى خادمة من جهة ثانية.

أما ابوها الشيخ مفرح فكان يحبها بجنون جعل الجميع يغارون منها. وكان كلما مرضت جاء ومعه من يقوم بوشمها أو ضربها خوفاً من أن تصبح كلبانية ويأخذها الجن عليه! 

رواية هرارة الرماد واضطرام الحقد

ازدادت ضراوة العنقاء بعد عودتها من السخنة يوماََ بعد يوم حتى صارت تظمئ للدموع وتحب شربها. كانت تقوم بتلطيخ ريحانة بالرماد مستمتعة بحزنها حتى بات الرماد يهر منها ومن شعرها ومن أكمامها حيثما ذهبت. 

وكانت تخشى أن تلتفت الأنظار إلى جمالها فيخطبها أحد أبناء الحاكم. 

اطلق عليها أهل القرية اسم "هرارة الرماد " لكثرة ما شاهدوها تهر رماداََ ظناََ منهم أنها مجذوبة كأبيها على الرغم من   لطف حديثها وجمال تلك الكلمات التي تصدر منها حين يخاطبها أحد. 

كانت العنقاء تربي ابنتها وتنفق على مطعمها ومشربها كثير من المال لتسمينها فقد كان الناس يميلون إلى البيضاء السمينة وينفرون من الهزيلة الناشفة. 

اما هرارة الرماد فكانت تقضي الليالي جائعة في برد المنداد. لا تنام إلا بعد أن تبكي لتمنح العنقاء قليل من الدموع تطفئ بها لظى جوفها المستعر. 

وكان الأمر يزداد يوماََ بعد يوم قسوة وجبروتاً.

وفي ذات صباح، مدت الشمس خيوطها الذهبية لتطرق جفون الريحانة الشابة لتيقظها من ذلك النوم الذي شابه الموت بهشيمه. 

اقرأ ايضا قصة شخص لا يشيب 

استيقظت ريحانة متعبة والحمى تشاطرها الصباح فزحفت زحفا تنشد عصاها لتخرج إلى المرعى قبل أن تستيقظ العنقاء وتشرب كوب صباحها من دموعها. 

رواية هرارة الرماد هل هي النهاية!

خرجت الفتاة تنادم برد الصباح بصرير عظمها ترتل آيات البقاء مع البلبل الشادي وطرقات منقار "اليبيبي" تؤدي 

ترانيمها متتالية على أغصان شجرة الرمان على وقع انين الجميلة كأنها سمفونية تأبين في حدادٍ مقدس. 

غرفت بكفها المليئة بالرماد من البركة ماء بارداً محاولة طرد الحمى بقليل منه،  ثم شقت بقدميها مرتدية الحذاء المطاطي الممزق درباً يشهد على الأوجاع التي يئن بها ذلك الجسد الرشيق. 

كانت الأغنام تمشي أمامها مشفقة تعزف بأجراسها انشودة الحياة لعل الضمائر تستفيق. 

ورياح الصباح تهز أوراق الشجر تسابيحاً لله.. وسحابات ترشقها بالرهيم الأنيق.

 كأن الطبيعة بصخورها ترثي لحالها حين قسى ذلك القلب السحيق. 

وذهبت ريحانة إلى ذلك الوادي حيث دفعت بأمها وفكرت أن ترمي بنفسها كما رمت أمها ندماً وتوجعاً على ذلك الجهل الذي حملت لوحدها تبعاته. بكت كثيراً….

بكت كأن البكاء كان الدواء الوحيد لحمتها ولرعشة المرض في مفاصلها….

بكت كأنها تنشد ابتسامة بعد البكاء فأخلصت في البكاء وكأن البكاء كان صلاة توبتها الأخيرة من ذلك الذنب الذي لم تقترفه بقصد. 

بكت أبا مجذوبا واخاً معدوماً وعم صريع….بكت أم هلكت بدفع أناملها وظلم عنقاء ومجتمع وضيع.

أغمضت عيناها ثم رمت بنفسها من أعلى الوادي...

انقر هنا لقراءة الجزء الرابع عشر من رواية هرارة الرماد


رواية هرارة الرماد بقلم الأنامل اليمنية 

"زبيدة شعب"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معاني المسميات اليمنية في رواية هرارة الرماد

التنويش/ رقصة المجاذيب 

اليبيبي/ طائر الهدهد

السخنة/ حمامات طبيعية حارة تقع بالقرب من مدينة الحديدة ينشدها الناس للعلاج

الجنبية/ نوع من الخناجر يتزين بها اليمنيون  

4 تعليقات

رأيك يهمنا

أحدث أقدم