رواية هرارة الرماد |
رواية هرارة الرماد الجزء الثامن
رواية هرارة الرماد " من هو الممثرر؟"
كان في (زريبة ) بيته حين سمعها تناديه من الخارج تود مقابلته قبل انتشار الرعاة في الوديان والفلاحين في الأودان:
"يااا بن علي "
"ارحبي ام نصير ارحبي "
" يا ابن علي انا اناشدك الله في خدمة تخدمني بها لوجه الله "
" أمريني يا أم نصير! "
"رأيت أمس رؤيا فجعتني, زارني فيها أبو نصير و أريدك أن تطمئنني عليه وتعرف لي ماهي أحواله "
صفن الممثرر قليلاََ وقد قفزت حيلة خبيثة إلى رأسه فقد وجد في هذا الموضوع رزقة طازجة أتته حتى باب داره.
اقترب منها وسألها بخبث وتدليس :
"ماذا رأيت يا أم نصير في منامك "
أخذت المسكينة تحكي له بصوت خافت وتلتفت يميناََ وشمالاً خوفاً أن يراها أحد.
ابتسم وقال لها :
"لن أستطيع الآن القيام بالعملية في وضح النهار، فأنتِ تعلمين خطورة مهنتي، وأن في ذلك موتي إن حاول أحدهم إيقاظي من حالة المثررة "
وحدد لها موعداً قبل صلاة الفجر و أتفقوا على ذلك.
ثم عادت العجوز رمانة إلى دارها سريعاً سالكة طريقاً بين الأشجار وخلف الصخور لكي لا يراها أحد.
واجهها نصير عند الباب متعجبا :
"أين كنتِ يا أمي "
فهمست له :
" لقد كنت بسفل الأبقار، أشعر أن البقرة مريضة "
ثم أسرعت إلى( المنداد) بينما ظل هو برهة قصيرة من الوقت متعجباً من حال أمه وارتباكها!
رواية هرارة الرماد وداء العنقاء
استيقظت العنقاء وعلى جسدها علامة جلية على رقبتها وكتفها وساعدها على شكل بقع سوداء تكبر يوماً بعد يوم.
وقع في نفس العنقاء أنها ستدفع ثمن ولوجها الوادي المنحوس وأن كل من تعامل مع العجوز الخبيثة سيصبح كلبانياً تتطور حالته بالتدريج. وأخذت تتذكر حديث جدتها عن الكلابنة الأشرار:
"كن يسهرن الليل مع النساء بأغنية أول الليل لي ولك وآخر الليل سآكلك "
كانت أخلاق العنقاء تزداد سوءاً يوما بعد يوم حتى غدت نباحة كما يصفها زوجها؛ وحين يمر أحد من تحت نافذتها تلعنه وتسبه من النافذة فبدأ الناس بتجنبها ولم يعد لديها صديق.
ولم يزدها نفور الناس عنها إلا تعال وتكبر وإصرار على الشر فهي تؤمن بأن المس قد نفذ فيها بعد أن قامت خفافيش ذلك الوادي بعظها. وما زادتها تلك البقع التي تنتشر على جسدها إلا ريبة ورعباََ.
في رواية هرارة الرماد الطمع يلف المشهد!
وفي ضحى ذات اليوم، كان الممثرر متجه إلى منزل القاضي بهيج، أخذ وقتاً قصير معه ثم اتجه صاعداً تلك (الملطة ) نحو دار مهدي الأعمى على غير العادة.
الممثرر لا يقارب أحداً ولا يحدث أحد وهنالك سر خلف دورته الطويلة من بيت القاضي إلى بيت الدارسي مهدي الأعمى.
بدأ نظير يتضرر من العنقاء بقوة وفي ذلك النهار ذو الشمس الساخنة التي ترتطم أشعتها على صخور وصاب السود فتبدو كالعقيق اليماني، اقتحم نظير (السفل ) على
أمه عابس الوجه مكفهراََ كأن الشياطين قد عبثت بملامحه.
التفتت إليه العجوز وهي تحلب بقرة عجفاء لا تكاد تدر اللبن، وهو جالس إلى جوارها يحدق إلى البقرة بعينين محمرة وجسد قد احدودب من وزر ما حمل على ظهره وشعر أشعثاََ مشتعلاً بالشيب.
فبادرت العجوز بالحديث معه بصوت منخفض وأنفاسها تتقطع منشغلة بحلب تلك البقرة:
"ما الذي ذكرك بأمك اليوم، ومالي أراك بوجه مقلوب يبشر بموسم القحط !"
فبدأ نظير بالتذمر وندب حظه وسوء اختياره ثم تحدث قليلاً عن الذرية ثم انحرف مسار حديثه وبدأ يتحدث عن خصال رحيمة وجمالها وطيبها وقبح العنقاء وقبح أخلاقها!
سكتت العجوز وقد لمست في ولدها الغدر لأخيه وغزى سؤال مخيف قعر قلبها:
"ما الذي يريده نظير هذه المرة ؟ هل يريد أخاه أن يتنازل له عن زوجته ويطلقها كما تنازل له عن مدرجات القات والمنزل الجديد والبقرة الحلوب والبركة الوسيعة! "
لم يرق العجوز ما يلمح به نظير ولم تجد أن السكوت على أطماعه بات مجدياََ فتركت قدر اللبن جانباً ثم جلست بقوة وكأن شبابها قد رد إليها وحدقت في عينيه وبدأت ترمي سهام قلبها على مسامعه الدميمة :
" القلوب المستنيرة قناديل العقول وأنت قنديلك منطفئ.. العقول المظلمة لا تهتدي يا ولدي وقد تملكت العتمة من عقلك فلم تعد تبصر…
فلا تمد عينك إلى مال أخيك وإلا فساعدي هذه لا تزال مشدودة وفي بندقي رصاصة صدئة، إن لم يعتدل اعوجاجك رطبتها بدمك الحار "
لم يفهم نظير تلك الحكم التي تدفقت من فم أمه فقد إعتاد على حديث العنقاء المفعم بالغل والسخط والتذمر والغباء.
لكنه أدرك أنها قد فهمته وأن في حديثها تهديد صريح له بالقتل إن فكر بالعيب الأسود أو الاقتراب من عرض أخيه.
نهض سريعاً بعد أن تبددت أحلامه اليائسة وارتطمت محاولته المتمادية على حجر الواقع. وغدا يغرس وتد عقوقه في قلب العجوز المتعبة.
رحل بطيئاً يقود أمامه كرشاََ نفخت وتهدلت حراماً ويجر خلفه تلك الشحوم المتراكمة فارداً ذراعيه وهو يتمتم بلهجة عاق لا يكترث بغضب أمه ولا بحزن أخيه:
"ستموتين أيّتها العجوز يوماً ما ولن يسقيك نصير شربة ماء، ستموتين كالكلبة وستدخلين جهنم الحمراء مع حمالة الحطب"
وخرج من سفل الأبقار ثم وقف عند باب الزريبة المتهالك وركله بقدمه حتى تكسر وتطايرت اخشابه وقال لها شامتاََ بأسلوب حقير:
" جاءت اليوم إليك التوبة فجأة وعرفت أن نصير له حقوق! قد قطع الله نسلنا وحرمك رؤية ذريتنا من جورك وظلمك أيّتها العجوز الكاهنة الخرفة!"
كانت العجوز واقفة ثابتة تنظر إليه وقد تملك الغضب من جوانحها ولم تعد تصبر على بطلان عقله واعوجاج طبعه، تغالب جروح تلك الكلمات التي يرميها كالسهام على قلبها بصبر وجلد لكنها لم تعد تحتمل..
وسالت دموعها تجري كالجداول في تلك التجاعيد على خدها ممزوجة بالأثمد. وغدت دموعها سوداء كسواد قلبه العاصي، وبدأت تدعو عليه بصوت منخفض:
" أكلتك الآكلة الأول لا سبقك أحد، أكلتك الآكلة وحدك لا يقربك أحد "
وغابت الشمس لتطوي صفحة نهارٍ صعب على العجوز وهي ترقب الليل حتى يجن لتتجه إلى المقبرة حيث ستلتقي بالممثرر ..
وقلبها المحب لذلك الزوج الذي اندثر في غياهب الأجداث يتوق لمعرفة أخباره في دار البرزخ وما الذي يؤلمه حتى آتاها بتلك الصورة..!
وجنّ الليل… ونامت الكائنات والعجوز تتظاهر بالنوم حتى جاء موعدها مع الممثرر؛ حملت صميلها الذي لم تضرب به أحد قط غير نظير لكثرة عقوقه وفانوسها المعدني واتجهت إلى قبر زوجها والبرد يكاد يحطم عظمها الهش.
انقر هنا لقراءة الجزء التاسع من رواية هرارة الرماد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معاني مسميات يمنية في رواية هرارة الرماد
الممثرر/ شخص يدعي أنه يستطيع الكلام مع الموتى
السفل/ الدور الأسفل من كل بيت في وصاب العالي وهو مخصص للأبقار
الملطة/ منحدر صخري
الدارسي/ رجل يقرأ القران مقابل مبلغ من القران نيابة عن الشخص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواية هرارة الرماد بقلم الأنامل اليمنية
"زبيدة شعب"
انتظر كل جزء من هذه الرواية بتشوق وحماس
ردحذفعظمة على عظمة يا زوزو😍
ردحذفسلمت الأنامل❤️
ردحذفرواية مشوقة... واسلوب سرد جميل
ردحذفكل يوم تزداد القصة تشويقا احسنت👍👍
ردحذف👍👍👍
ردحذف