رواية هرارة الرماد |
رواية هرارة الرماد الجزء الثاني عشر
رواية هرارة الرماد والخبر الجميل
خرج من دار رحيمة متجهاً إلى بيت زوجته الثانية عنقاء.. ولما اقترب من دار العنقاء لمحها في أحد الأودان تقتلع شيء ما من التربة.
حاول الإقتراب منها على مهل ليرى خلسة ماذا تفعل هذه المجنونة التي ابتلي بها. ولما صار قاب قوسين أو ادنى منها، وجدها تنتزع نبات العثرب الحامض من الأرض وتآكله بنهم وشراهة!
تعجب من أمرها فهو حسب ظنه لم يقصر في إطعامها والإنفاق عليها. مرت أعوام على زواجه منها وقد طفح كيله من مشاكلها ومكائدها وخبثها وطمعها وتلك النفس الحاقدة التي تأويها بداخلها.
كانت تلك البقع السوداء على جسدها تجعله يشك في أمرها كلما تذكر حكايات أمه عن الكلابنة الذين يشربون دموع البشر.
اضمر نصير طلاقها قبل أن يرحل لكنها فاجأته بخبر حملها أخيراََ. كانت ريحانة تبلغ من العمر تسع سنوات، وقد حملت في ذاكرتها مشاهد من الألم والجدري والفراق.
كانت حليمة الطباع كريمة متواضعة شديدة النباهة والجمال. خضراء العينين لها شعر شديد السواد أجعد، وكانت شديدة الشبه بأمها رحيمة.
كأنها من بنات الحور حين تخرج لرعي الأغنام وكان جمالها ذاك يستفز غرور العنقاء درجة الجنون. استرد نصير صبره
وحلمه وجميل خصاله بعد أن أسعدته العنقاء بخبر حملها وأخذ يوصي رحيمة وابنتها ريحانة قبل سفره عليها ثم اتجه بتجارته نحو الحجاز مرتحلاً مع صلاة الفجر.
رواية هرارة الرماد ما الذي استجد بعد سفر نصير؟
لم تشرق الشمس في اليوم التالي إلا على أصوات العنقاء تملأ الفيافي والقفار مستغيثة بأهل القرية. اجتمع أهل القرية ليجدوا ثعباناََ ضخماً يقترب منها وهي محاصرة بين الصخور تستغيث.
لم يتجرأ أحد على الإقتراب منه إلا الحطاب مسعد. فقد قام وبمهارة عالية بالاقتراب منه حاملاً فأسه ثم انقض عليه بسرعة قاطعاً رأسه ثم سحبه كبيراً مرعباً شديد السواد وظلت هي تبكي بصوت غليظ متغير!
عادت منهكة إلى بيتها فدخل عليها ابوها يدب دبيبا ونظر إليها وهي تبكي في زاوية مخدعها وذلك الثعبان العريض كان مقطعاً بجانب دارها كأنه كان يعلم بشيء ما وراء ذلك الثعبان ثم قال مستنكراََ:
"ما أدراك لعله الأقرع جاءك مستعجلاً فقد زاد جورك وظلمك وفجورك، ألا إن الحطاب كان سيدخل الجنة لو قطع رأسك بدلا من رأس الثعبان "
ثم رحل ينظم خطواته بطيئاً وقد طغى عليه المشيب واقتربت خاتمته ولان قلبه للحق أيما لين. ثم مرت الشهور و العنقاء لا تأكل من يد أحد خشية سحرها أو تسميمها.
فمن يضمر في قلبه نية القبح لا يرى العالم إلا من خلالها. فما العالم من حولنا إلا انعكاساََ لدواخلنا لا نرى منه إلا ما يشبهنا.
رواية هرارة الرماد والطفلة الشرماء
وجاءها المخاض فقامت قوية بربط حبل في سقف غرفتها وأخذت تشده كلما شعرت بالألم مستغنية عن كل البشر معتمدة على قوتها لكن ضربات المخاض كانت أقوى من
تكبرها؛ وسيف الطلق المحموم كان أحد من لسانها المسموم فصرخت حتى سمعتها ريحانة وهي ترعى الأغنام قريب من دارها.
انطلقت ريحانة بقلب طاهر خائفة تخبر أمها بما سمعت فخرجت رحيمة تحمل "ذيفة الخبز " على رأسها وقدر المرق واللحم مسرعة إلى منزل ضرتها.
وصلت لتجد ضرتها في هول وعذاب فتركت الطعام جانباً وقامت بمساعدتها حتى أدوت صرخات تلك الصغيرة أرجاء الدار.
قامت رحيمة بتنظيف الدار وإطعام ضرتها وتنظيف الرضيعة ثم بدأت بترتيل الأذان في أذني الرضيعة كما جرت العادة لتكن كلمات التوحيد هي أول ما يصافح صيوانها الصغير.
شعرت العنقاء بضيق شديد يجثم على صدرها عندما سمعت الأذان وسألت رحيمة أن تتوقف، وفي تلك اللحظة تأكدت رحيمة أن ضرتها مضرورة فعلاً.
أرسلت رحيمة ابنتها إلى أهل ضرتها لتخبرهم بخبر ولادة الصغيرة التي رفضت العنقاء تسميتها إلا بعد استشارة المنجم
أرسل الشيخ امرأة لتخدمها لعلمه أن العنقاء لا ترغب أن تخدمها ضرتها رحيمة، وليس شكاً في كرم رحيمة ونبل أخلاقها إنما تسليماً لقبح أخلاق ابنتهم وسوء أدبها .
وصل المنجم مع صلاة المغرب وطلب منهم أن يرى الفتاة. كانت الفتاة تعاني من شرخ في شفتها العلوية. أمسك بالطفلة قليلاً وسأل متظاهراً بالعلم الحصري:
"هل جاءت قبل صلاة الفجر أم بعدها؟ "
اجابت المرأة:
"اظن انها جاءت مع اذان العصر أو قبله بقليل "
أعاد المنجم النظر في الصغيرة طويلاً ثم قال:
"عليكم تركها بدون تسمية حتى تغيب شمس بعد غدٍ، ثم تسمونها مالكة لتدخل ضمن برج الأسد فلا يضرها شيء"
تعجبت مساعدة العنقاء من أمره لكنها لم تشأ أن تتدخل، فناولته أجره لينصرف.
ومر عام كامل وعاد نصير من الحجاز وأحب ابنته الجديدة مالكة على الرغم من قبحها، كان لها عينان ضيقتان تشبهان عيون أمها وحواجب غليظة تكاد تلتصق، كما أن لها فم أشرم يشبه فم ابن عم العنقاء!
انقر هنا لقراءة الجزء 12 من رواية هرارة الرماد
رواية هرارة الرماد بقلم الأنامل اليمنية
"زبيدة شعب"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ